...................
غسان يوسف (سورية_طرطوس)
.................
خربشات غسان
زهرة الحياة
يوم ربيعي جميل كان بداية رحلتي مع إطلالة أول خيوط الفجر ...
كنت قد قررت أن أقوم بالتعرف على معالم بلادي بسياحة أمارس فيها رياضة السير علني أتمتع بجميع مشاهده الفاتنة دون أن يفوتني شيء.
أول خطواتي على أطراف إحدى القرى والأزاهير قد بانت بلوحة تسحر الألباب .
في ذلك الحقل حيث تنبعث أزهار شقائق النعمان سحر المنظر دفعني للجلوس تحت شجرة أراقب المشهد الساحر لأرض تتماوج ألوانها بين خضرة العشب وحمرة شقائق النعمان وألوان أشجار متعددة... صخور تتفاوت بجمالها وأشكالها كانت لوحة ساحرة أسرتني لأجد نفسي مأخوذا بجمالها الفاتن.
وأنا تائه بتلك اللوحة الربانية سمعت صوت ضحكتها ينطلق مغردا كطائر كروان أطلق العنان لنغماته الساحرة أخذت أبحث عن الصوت وهاهي طفلة بعمر تلك الزهور تجري هنا وهناك تعانق تلك الزهرات تارة تلثمها بحب وشوق وطورا آخر تداعبها لتنام بأحضانها وكثيرا ما أراها تحدثها ولتعود تضع أذنيها تستمع ماتخبرها به وكل ذلك همسا لا يسمعه سواهما هي والأزهار.
ناديتها قائلا :
ماذا تفعلين هنا وحيدة يا إبنتي وماذا تخبرك تلك الزهرات.
نظرت إلي بغضب طفولي وقالت:
..هل تراني وحيدة ...ألا ترى أشقائي يلتفون حولي من كل صوب ...
سيدي أنا أداعب إخوتي كما ترى وأتحدث إليهم وأنا سعيدة كل السعادة معهم.
...يا إبنتي أين هم إخوتك الذين تتحدثين عنهم .
عادت لتنظر إلي غاضبة :
انظر ألا ترى كل تلك الأزاهير هي إخوتي وأخواتي ...هي من ولدت بنفس الساعة التي ولدت فيها أنا ...يوم ضحى والدي وروى الأرض بدمائه ليحمي قريتنا من الغاصب المحتل ...بتلك الساعة التي فاضت بها روحه ليمنع المعتدين الظلام أن يقتربوا منا ...
يومها كانت ساعة ولادتنا أنا وأزهار شقائق النعنان تلك...
هي أزهار من كل قطرة دم من دماء الشهيد تولد زهرة...
ومن يومها وانا أنام بأحضانها أداعبها وتداعبني لا تفارقني فهي من يختزن روح والدي وكما ترى هي تحدثني بحديثه الذي تنقله لي من جنان الخلد حيث يسكن وتنقل له حديثي وضحكي ...
أنظر ياسيدي لولا دماء أبي وهذه الأزهار لما عرفت أنا الطفولة ولا كنت لتسمع ضحكي ولعبي .
سيدي ستجد في كل قرية من بلادي حقول حمراء اكتسبت لونها من شقائق النعمان ولن تسمع فيها سوى ضحكة الأشقاء الذين ولدوا لحظة إشراقة شمس الشهيد
غسان يوسف (سورية_طرطوس)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق