الجمعة، 3 ديسمبر 2021

 ....................

أمين الساطي

..................



قصة قصيرة
القطة السوداء
بقلم أمين الساطي
يقوم المشعوذون باستخدام القطط السوداء في السحر الأسود، ولطالما كانت في الأساطير القديمة رمزاً للشرّ والخراب. وبما أنني من المؤمنين بالقوى الخفية، التي تعمل من وراء الستار وتحرك الأحداث في العالم، فلو حدث وصادفت في طريقي قطة سوداء، فأنا أبقى متوجساً منها طوال اليوم، على الرغم من كل هذا، فلقد كنت مضطراً لزيارة بيت أختي، التي عندها قطة سوداء اسمها كارليتا. وفي أثناء وجودي كنت ألاحظ أن القطة تحدق في وجهي باستمرار، كما أشعر ببرودة غريبة تنتابني في حضورها، قد لا تصدق بأنني بدأت أقلل من زيارتي لبيت أختي، من أجل أن أتحاشى نظرات قطتها.
كان لونها الأسود وعيناها الزرقاوان أكثر ما يخيفني في منظرها، ولقد ذكرت ذلك مرة لأختي، فاستعجبت من كلامي، وقالت لي: إن عينيها صفراوان، ونادت ابنتها وسألتها عن لون عيني قطتها، فأجابتها الصغيرة ببراءة: صفراء، فأدركت في لحظتها بأني الشخص الوحيد الذي يرى لون عينيها على حقيقتهما. شعرت بهلع شديد لعدة دقائق نتيجة لاكتشافي صحة نظريتي، ثم سيطرت على أعصابي، وتظاهرت بعدم اكتراثي لهذا الجدال. عندما وصلت إلى بيتي كنت مرهقاً من نوبة الأفكار المتضاربة التي مرت بخاطري.
في إحدى الزيارات لبيت أختي، جلست القطة أمامي محدقةً بي بشكل مستمر، فأدركت بلحظتها بأنها تنظر مركزة على شيء ما خلف ظهري. عندما عدت إلى بيتي، جلست وحيداً أمام المرآة في غرفة النوم، وأطفأت الأنوار ماعدا بصيص الضوء المتسلل من مصباح الشارع، وبدأت أحملق بالعتمة الخافتة في وجهي على المرآة. من دون أن ترفَّ جفوني، بعد عدة دقائق من التركيز، اكتشفت خلفي وجهاً يشبه وجهي إلى حدٍّ كبير، كان لونه أبيض يميل إلى الأزرق، وشعرت بلحظتها بأنفاسه تدغدغ رقبتي، لم أشعر بالخوف، لأنني كنت أتوقع أن أجده خلفي.
عندما ذهبت إلى فراشي للنوم، شعرت بأنَّ هذا الظل يشاركني السرير، وشعرت ببرودة خفيفة تغطي كامل الغرفة، وفي أثناء طريقي إلى عملي كنت أشعر بأنه يمشي إلى جانبي، في بادئ الأمر حاولت أن أعتاد عليه، لكن بعد فترة بدأت أشعر بأنه يشاركني وجودي، أخذت أفقد خصوصيتي، إنه يتابعني في كل مكان، ما دفعني إلى الجنون. باشرت أسأل نفسي، إلى متى أستطيع أن أتحمّل هذه المضايقات؟ بعد أسبوعين أصبحت على أبواب انهيار عصبي، فقررت أنه لا بدَّ لي من التخلص منه.
إنه مطَّلعٌ على كل تصرفاتي، فهو يرافقني طوال الوقت، لكنه حتى هذه اللحظة، لم يتمكن من الدخول إلى جسدي، لكي يعرف أفكاري، أمضيت يومين وأنا أضع الخطة في دماغي للتخلص منه. لما دخلت المطبخ، أخرجت بطيخة خضراء وسكيناً كبيرةً لكي أقطعها، وبينما بدأت أحزُّ قشرتها الخارجية الخضراء، دفعتُ فجأةً السكين بيدي إلى خلفي، فوق كتفي إلى رأس الشبح الذي يرافقني، فشعرت بألم رهيب عندما انغرزت السكين في ظهري، وبدأت الدماء تسيل بغزارة، ولا أدري كيف تحاملت على نفسي، فتوجهت مسرعاً نحو بيت الجيران، وقرعت الباب المقابل إلى شقتي، فحملوني إلى المستشفى، وأُجريتْ لي عملية تمَّ خلالها خياطة الجرح، ثم جاء دور الشرطة الجنائية للتحقيق في الحادثة. وفي أثناء أخذ إفادتي، سألني المساعد الأول: كيف جرت الكارثة؟ فقلت له: إنني وفي أثناء وقوفي بالمطبخ، التفتُّ فشاهدت رجلاً أسمر قصيراً، لم أشاهده من قبل في حياتي، يطعنني بالسكين من خلفي، فصرخت من الألم، فهرب الرجل، وهرعت إلى بيت الجيران. بدت علامات الدهشة على وجه الشرطي، وكأنه لم يصدّق كلمةً واحدةً مما أقوله، لكنه بالنهاية ختم المحضر بعبارة: قضية ضد مجهول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق