................
عبده داود
.................
أدب الأندلس
قصة الجزء الأول 1
جاء آذن عميد كلية الآداب يطلب فارس، وقال: سيادة عميد الكلية يطلبك.
استغرب فارس الطلب، هو أحد الطلاب المتفوقين، وعادة العميد لا يطلب احداَ، إلا إذا كان هناك تقصير في الدراسة أو شكاية ما، أو حدث خطير في منزل الطالب يستدعي طلبه...
فارس دخل كلية الآداب رغماً عن رغبة ابيه الراغب في تعليم ابنه في كلية علمية... وهذا الأمر دائما يزعج فارس بأنه كسر كلام أبيه ودرس الذي هو اختاره...
عندما نجح فارس في البكلوريا العلمية بعلامات متفوقة، كانت تخوله دخول جميع الكليات العلمية، لكن ابوه كان يشجعه على دراسة الطب، وكان يقول حرام يا أبي تضيع علامات كهذه لتدرس سخافات لا معنى لها... وحدث صراع بين الأب وابنه. الأب يريد فرعاً علما يجعله يشعر بالفخر أمام أهل قريته، لكن فارس كان يعيش في دنيا غير دنيا أبيه...
فارس هاوي دراسة الأدب العربي، وأصدقاؤه هم الأدباء العرب الذين يقابلهم على صفحات الكتب ومنهم طه حسين، ونجيب محفوظ، جبران خليل جبران، توفيق الحكيم، مخائيل نعيمة وغيرهم...
فارس رسم لذاته هدفا بأن يصبح كاتباً كبيرا. هدفه نشر العدالة بين الناس، وكان يعتقد بأن العدالة هي سيدة الدنيا، وعندما تسقط العدالة تسقط الأمة وتسقط البلد...وأخذ يدرس ويقرأ حتى يحقق هذا الهدف...
في البداية كان محتاراً بين دراسة القانون. أو دراسة الأدب لكنه كان يؤمن بان الكلمة الأصيلة أمضى من البندقية القاتلة، الكلمة تستقر في الفكر، وتنور العقل، وتنير فكر شعب بأكمله، بينما البندقية هي سلاح الجبناء...سلاح الذين يقتلون النور وكلمة الحق...وهي سياسة الذين لا سياسة لهم وهم يفتقدون إلى حرية الرأي...
فارس، لم تكن له علاقات اجتماعية في الجامعة... كان يتنقل من قاعة المحاضرات، إلى مكتبة الجامعة، ومن مكتبة الجامعة إلى قاعة المحاضرات...أصدقاؤه هم الكتب والمراجع وأقوال النقاد والصحف على ما كتبه أولئك الكتاب...
هذه هي السنة الدراسية الأخيرة، وسوف يتخرج بدون شك، والدليل على نجاحه هي السنوات الماضية لم ينزل اسمه من لوحة الشرف أبدا...
دخل فارس غرفة العميد مستغرباً، خائفاً. العميد له رهبة وسطوة، ولا يستقبل أحدا من الطلبة في مكتبه، أشار العميد للشاب بالجلوس...
كانت ابنة العميد جالسة هناك فارس يعرفها هي طالبة في ذات الكلية، وكان هناك شاب آخر لا يعرفه... جلس الجميع صامتين لا يتحادثون.
بعدما انتهى العميد من توقيع أوراق بين يديه قال: أهلا بكم...
وزارة الثقافة الاسبانية منحتنا ثلاثة منح دراسية لثلاثة طلبة متفوقين...حتى يدرسون اللغة الاسبانية لمدة سنتين والذي ينجح، ينال جواز سفر يؤهله للدراسة في المرحلة الثانية، الماجستير والدكتوراه...للتخصص في الأدب العربي الأندلسي... لأن مختصون اسبان يرغبون في إعادة النظر في الترجمات من العربية إلى الاسبانية المنتشرة على جدران الآثار العربية في اسبانيا كلها وفي الأندلس خصوصاً.
وبعدما تتخرجون ستكون لكم الحرية في البقاء في اسبانيا أو ترجعون لتكونوا دكاترة أساتذة مختصين، وابواب الجامعة هنا مفتوحة لكم.
انا اخترت فارس وهدى ابنتي لآن اسميكما لم يغادرا لوحة الشرف أبدا.
هذا الشاب سمير رشحته كلية الآداب في حلب، لذات الأسباب.
قال فارس اشكرك يا سيدي على هذا الاستحقاق الكبير الذي منحتني إياه، هذا شرف لي... وهو حلم لم أكن حتى لأحلم بأجمل منه، دراسة الأدب العربي الاندلسي ذو الخصوصية المميزة، وفي بلاد الأندلس حيث ولد الأدب الأندلسي هناك...
هدى كانت تتأمل فارس عن كثب، لأنه غريمها الذي كان يتنافس معها دائماً على الاسم الأول في لوحة الشرف، الحقيقة لا هي ولا هو حاول أن يتعرف أحدهما على الآخر، كل منهما همه الأول في النجاح والتميز...
لكن هذه المرة نظرت إليه نظرة مختلفة، تريد أن تسبر أعماق هذا الزميل، شاهدته، قوياً، صريحاً، يكلم والدها بمنطق وثقة بالذات، إضافة إلى إنه شاب وسيم، طلته بهية جميلة وبالتأكيد وراء إصراره يكمن طموح كبير... وسوف تجمعهما الغربة سوية في الأندلس لسنوات طويلة...
ومن تلك اللحظات، رسمت لذاتها مستقبلا مع فارس وتمنت أن يكون هذا الفارس فارس احلامها...
رغم إنها فتاة جميلة، ذكية متفوقة في الجامعة، وأغلب طلاب الجامعة كانوا يتمنون رضاها. لكن لا أحد منهم استرعى انتباهها، لا من قريب ولا من بعيد، لكن هذا الفارس يبدو الأمر معه مختلف...
سمير أيضا طالب متميز في جامعة حلب، أثني عليه عميد كلية الآداب هناك ومدح في سلوكه واخلاقه واجتهاده وقال اسمه دائما ظاهرا في لوحة الشرف.
سافر الطلاب، استقبلهم مندوب من الجامعة في مدريد
وهذا تقصد أن يمر بالشوارع المزينة والأكثر بهجة، وأضواء تتراقص وتبتهج بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة...
مروا بشارع القديس أنطوان، شارع القديس فرنسيس وشارع البلباو، وشوارع وساحات أخرى في مدريد...
من الواضح بان مدينة مدريد تشتعل فرحاً، كان بادياً بأن الحكومة هنا تحرق ذاتها لتسعد شعبها... لا تحرق شعبها لتسعد ذاتها... كما فعل نيرون المجنون، عندما احرق روما ليسعد نفسه ويكتب قصيدة نهاية شعبه الميت أصلاً من البؤس والفقر والجوع...
إلى اللقاء في الجزء الثاني
كتب القصة: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق