الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

 .................

على غالب الترهوني

...............



مشاوير ...19...
_____________
طوال الطريق أثناء العودة للديار. كانت أمي تبكي بحرقة ..قال والدي..انا لا أصدق في هؤلاء العرافات .إنهن يصنعن الأحداث من الأوهام .كيف لنا أن نبحث عن ثعبان في ارض مجهولة .على العرافة أن تقر بعجزها. وأنا سأحمل هذا الولد غدا للمشفى في الخضراء .أنا لا يهمني ما اسمع وما سمعت .كنت أستعيد مشاهد المرأة أمامي .وقد رسمت لها صور عديدة .كيف تأكل. كيف تشرب .كيف تنام .ولم أترك جزء ولو بسيط من جسدها إلا وقد تراء أمامي.
مررنا على حوش سراكوزا كان حاكما إيطاليا يدير الناحية كلها على ظهر حصان .وإحتلت مملكته التي تركها بعد الثورة مساحة كبيرة . ترامت أشجار الزيتون من السياج الأخضر حتى أطراف رأس العيد ..كنا نلعب على حاشية الوادي الذي ترك أخدود أحمر بين المروج .وأحيانا كنا نتمادى في الركض متخذين من التبة العالية نقطة إنطلاقنا .لن يوقفنا بعد ذلك إلا السياج العظيم لمصدات الرياح .وكنا نرى هؤلاء المستعمرين وهم يضخون المياه عبر سنابير تعلو وتنخفض مثل نافورة البيت .لا نستطيع الاقتراب منهم ونسائهم شبه عاريات .يجلسن تحت الظلال يحتسين الشاي قبل المغيب. وبناتهم يشبهن مثلث الجبن جميلات ولكن بلا روح ولا يبعثن على الشهوة وقد تراء لي ذلك لأن العرافة إستهوتني كثيرا رغم فارق السن الذي يفصل بيننا ..كسر والدي حاجز الصمت ..ما رأيك في الشيخة هل أعجبتك ..قلت بلا تردد تبدو جميلة .ضحكت أمي هذه المرة .
أما والدي فقد تظاهر بأنه لم يسمع شيء .لف جرده ووضعه تحت ذراعه الأيمن .ثم قال .هيا أخبرني هل ستذهب للمدرسة غدا أم لا .قد سمعة بنفسك ما قالته العرافة ما بك شيء صرت مثل الثعبان ..مثله تماما تظاهرت بأنني لم أسمع شيء ..وساد الصمت بيننا من جديد إلى أن وصلنا السياج وحين أجلت البصر بتمعن وقعت أخيرا على قبة خصراء تحيط بها أعواد تعلوها خرق بالية. فقلت.. ما هذه القبة يا أمي. .كشفت عن وجهها وقد تهللت أساريرها فجأة. .هذه شيخة أخرى لكنها متوفية كنت قد رافقها وأنا صغيرة .إسمها ونيسه .كانت طاعنة في السن .ضخمة الجثة تتقرع بلا إنقطاع. سرها عظيم ..تأتيها الناس من كل مكان ..وذات عام شاهدت أسرة كاملة قدمت من مملكة تارغلات. جاؤا بفتاة لهم إستحوذ عليها مارد من قبائل الفونغا في جنوب السودان .قرعة الطبول على أعتابها ونحر الرجال ثلاثة ماعز سوداء .أشعلت النيران في الخلاء .وتغنت الفقيرات قصائد من وحي بنات حي قاسم .كان المشهد جنائزي .وأبكتنا الفتاة بعد أن إستعادة وعيها ..فقلت لنمر عليها الآن ..
________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق