...............
على غالب الترهوني
.................
مشاوير ..
________
في زماننا لم تكن هناك سيارات بهذا الحجم الذي عليه الآن. رجل واحد يملك سيارة لاندروفر خضراء ذات دواليب عالية .كانت مصدر إلهامنا جميعا .بعد أن إستغلها الناس في الأعراس بالذات .كل شباب القرية كانوا ينتظرون الاندروفر لتأتي لهم بعروساتهم. حيث يقوم أهل العروس بتزيينها بالأقمشة والأردية المزركشة. وتحتل العروس مقعدها كأسعد الناس ..والاندروفر واحدة من صناع الأفراح. في الخلاءات التى ستعمر بعد حين ..
كانت المسافة من القرية إلى العمار .حيث توجد المدرسة التى نتعلم فيها .عشرة كيلومترات. بالنسبة لي دخلت المدرسة في عمر خمسة أعوام. أول الأمر ساقني والدي وراءه على ظهر الدابة .وكنت مزهوا ببدلة الجديدة لكنها تعفرة في الطريق .كانت الرحلة شاقة على طفل في عمري .إلتقينا الرعاة في الصباح الباكر .الذين يسوقون قطعانهم للهناشير المتوجة بالزعتر والاكاليل. أنعشتني رائحة الكمون .وكم وددت أن لا أبرح السفح.لكن والدي إبتسم حين أفصحت له عما يجيش في صدري .فقال .أنت الآن أصبحت كبيرا ستنعشك أشياء كثيرة في حياتك .لا تركن لها .إذا كنا سنتوقف في كل مرة عند هذه الأشياء لن نتقدم خطوة واحدة ..هيا تشبث بخاصرتي ..ومضت الدابة ..هزيلة تترنح من الهول .أشفقت عليها كثيرا ولكن ما باليد حيلة ..
حين وصلنا العمار أبهرتني معالم القرية .كانت عبارة عن مربع كبير .والمدرسة تحتل أحد أضلاعه. محاطة بالورود والأشجار التى تنبعث منها رائحة الحياة ..عند نصب تذكاري لشهداء الحرب الثانية . كانوا ثلاثة جنود يمتشقون الأسلحة وعيونهم على الشرق .ربط والدي الدابة وأحكم لجامها في بندقية واحد منهم .كانوا صامتين وملامحم من الرخام .
عند مدخل المدرسة إلتقينا مع المدير ..رحب بنا كثيرا ..كان على معرفة بوالدي. ادخلني الفصل شاب في مقتبل العمر .عرفة فيما بعد أنه أستاذ التربية الرياضية ..فرحت عندما وجدت التلاميذ في الفصل كلهم مثلي .نتشابه كثيرا في ثيابنا التى كانت كيفما إتفق ..وملامحنا الغائرة منذ سنين خلف أوهام البقاء ..كانوا ودودين وخائفين وينظرون إلى بعضهم غرباء يحتمون بالغربة ..
بقى الحال لسنة كاملة .تعودت على كل الظروف .حفظت معالم الطريق ..صار لي أكثر من صديق .الآن كبروا جميعا .صاروا يملكون نصف الحقيقة .أما نصفها الآخر وقفت عليه بنفسي .حين داهمنا العدو في عقر دارنا ..كانت أول سيارة تقصف بيتنا تحمل رشاشا كبير فوهته مصوبة إلى صدورنا .كانت سيارة لاندروفر خضراء اللون .بكيت بحرقة على إثرها. .لأن الافراح لا تدوم والسيارة التى حملتنا على دروب الحلم .عادت لنا بالموت ...
__________________
على غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق