.................
حشاني زغيدي
..................
كسب القلوب أولى
أن تحجز لنا مكانا في قلب إنسان ، فتتربع في كنف وصال التآلف ، تلتقي على المحبة الصادقة ، رأيت الناس يعبرون في سجال الحياة كما تمر الجمادات لا يرى لهم سوى ظل ، يختفي باختفاء الجسم المتحرك ، ربما يشعر المرء بحركته و عبوره ، لكن صورته معدومة الأثر ، مثله مثل الكائنات البشرية التي ترى التواصل الاجتماعي مجرد غنيمة ، ترتبط بمصلحة مادية ، مثل أصحاب السوق يقضون مصالحهم و ينصرفون ، أو مثل تجار السياسة تراهم يلهثون بين الجنيات ، يتصيدون المارة بابتسامات مسروقة لا روح فيها ، همهم صيد صوت يوضع في سلة المهملات ، بيد أن كسب القلوب أولى .
ولهذا.. كان صرف اهتمام الإنسان الرسالي ، صاحب المشروع في الحياة ، أن يحرص على كسب القلوب ، أن يحرص على بناء علائق الإنسانية ، علاقات ثمنها كسب مودة ، كسب مودة تدوم ولو حالت بينها الغنائم والموائد ، علاقات تدوم لأنها علاقة لم ترتبط بفتات الأرض الفاني ، علاقات تدوم لأنها لم تبنى على لقاء عابر ، أو فرصة طارئة صنعتها المواعيد الكاذبة ، علاقات تدوم لأن أصحابها يجلسون بصفاء القلوب ، يجلسون لا يوظفون الخداع مع جلسائهم ، فشامة القوم تنجذب إليهم الأرواح دون مشقة ، فالصدق يتفطر من قلوبهم لا من ألسنتهم .
ولهذا.. أن تسمع لهم تطرب الأذن ، فمنطوقهم صدق ، و حري أن تكلموا صدقناهم ، وإن شرحوا فهمناهم ، فرق كبير بين العلاقات العابرة الموسمية وبين العلاقات الضاربة في الأرض ، مثل الشجرة الطيبة التي تعطي الثمر دون مقابل ، دون أن تقبض الثمن ، فهي تجود و تمنح فطبعها و شيمتها كسب القلوب .
ولهذا.. أن الذي يريد كسب القلوب ، يرى أن ميدانه استباق الخير في ميدانه ، يرى أن ميدانه نيل الأجر مع أصحابه ، فالذين يكسبون القلوب لا يبيعون الهوى ، لا يبيعون الوعود ، يرى أن ميدانه جمع الكلمة لا تفريق الصفوف ، يرى ميدانه ضرب المواعيد في الميدان لصناعة بسمة دائمة ، يرى ميدانه كسر الجمود المخيم كالطيف ، يكشف الحجب المضروبة في الأذهان ، يطرق أبواب الحيارى يبعث في نفوسهم الأمل .
وفي آخر المقال أنقل لكم هذه اللطيفة المنقولة في أدب كسب القلوب لطيفة تحمل العبر "للإمام الشافعي"" رضي الله عنه
{ّ يحكى أن يونس بن عبد اﻷعلى وهو أحد طلاب اﻹمام الشافعي رحمهم الله اختلف مع اﻹمام في مسألة أثناء إلقائه درساً في المسجد...!! فقام يونس غاضبا وترك الدرس، وذهب إلى بيته !
فلما جاء الليل، سمع يونس صوت طرق على باب منزله.!! فقال يونس: من بالباب...؟ قال الطارق: محمد بن إدريس!! قال يونس: ففكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي!
قال: فلما فتحت الباب، فوجئت به،
فقال اﻹمام:
يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرقنا مسألة!!؟ }
الأستاذ حشاني زغيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق