الخميس، 3 يونيو 2021

 ..................

على غالب الترهوني

................



الشرفة ..
________
لم يكن عندنا غيرها .هي شرفة واحدة في الحي كله .كان البيت يتوسط متاهة كبيرة لبيوتات تناثرت منذ إنتهاء الحرب الأولى. .بيت يقع على حاشية الدوار .تفضي إليه عدة طرق .القادمون من الشمال بإمكانهم أن يروا الشرفة بمجرد صعود التل ..والقادمون من الغرب لا يبذلون كثيرا من العناء .بإمكانهم أن يستريحون جوار عمال المحاجر. ذوي البشرة السمراء الذين يحيطون أجسادهم بالخاصات السمكية. .ويوقدون نيران الفجر لإعداد الشاي لعباري البر البعيد .في الصباح يمضي الركب بمحاذاة سياج الصنوبر .يلتقون مع الشروق تحت الشرفة العالية ..صغيرا عندما وقع بصري عليها .لم أر بشرا طوال عمري يقيمون في بيت من طابقين .الشرفة بالطابق الثاني تتوسط نافذتين تغطيهما الستائر. وقد بدت واضحة من وراء الأمراش الغامقة. كانت الشرفة بطول مترين ونصف المتر .وإرتفاع متر أو أقل بقليل ..بعد عدة سنتيمترات ثبتت بيادق كلاسيكية تحاكي ماض بغيظ. .وفي النهاية كان سطح الشرفة بقدر يسمح لسكان البيت أن يضعوا بضع محابس مليئة بالزروع. .مما جعلها مهدا لعصافير الربيع .تحط رحالها لثوان ثم تسبح في السماء. كل يوم كنت أمر. مفتعلا أشياء كثيرة حتى لا أثير إهتمام أحد خصوصا وأنني لست من سكان الدوار ..والناس تغار ..وبعد كل مرة ألقي فيها نظرة على الشرفة .أختلي بنفسي بعد الغروب .كنت أدعو الله وأنا أنظر إلى النجوم. أن يمنحني جناحين صغيرين أطير بهما لأقف على الشرفة ..لكن النجوم كانت تعاندي. تبتعد عني حتى لو لم يجعلها الله رجما لشيطان لعين ..حين رأيتها أول مرة لم أكن أعرف أن وراء الشرفة حكايات .أقاصيص لا تنتهي. وصرت أفكر كم من فتاة جميلة وقفت عليها ..كم من الهمسات إستيقظت داخلها .وكم من قلوب خفقت بلا تردد ..من لا يعرف الشرفة وصاحبة الشرفة ..سمعتها مرة من رجل مسن مضى نصف عمره في الصحراء ..وحين سأله أحدهم وهل رأيتها. ..أخرج الرجل زفرة ساخنة ..ثم قال ..من لا يعرف ماريا ..شابة ذات شعر أصفر ووجه مثل القمر .كانت ترتدي تنورة قصيرة وتقف بالشرفة وكنا نحن نقف تحت . .وننظر إلى أعلى علنا نظفر بشيء يهدأ روعنا. ثم يرمي بعقب السيجار ويمضي دون تحية الوداع ..قالت أمي أنها شرفة غريبة .بعد أن تركها الرواما .سكن البيت عائلة من الشرق ..زفت بنتها فريحه. نحر والدها كبشا أدرع. اكلنا تلك الليلة لحما طري. .وأنا أيضا لم أكن أعلم أن الشرفة ستصبح ذات يوم نافذتي لعالم آخر يراني من أعلى أراه من أسفل. ..
____________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق