الأحد، 3 يناير 2021

 ...............

إبراهيم عبد الكريم.

............



جزء من سيرة طالب بالمهجر.
(............)‘ (إبراهيم)،راوده التفكير بارتياح في كيفية التوفيق بين العمل والتحضير لعمله الجامعي من جديد، لقد وجد الآن عملا وسكنا، فما عليه إلا أن يفكر ويتدبر في عملية تسيير أموره بعقلانية، أحجم عن التفكير في العودة إلى بلده لا سيما وقد وصلته عنه أخبار غير سارة تتحدث عن اجتياح البطالة للفئة المثقفة والمُجازة، وعن غرق مجموعة من الشبان المغاربة في أعماق البحر المتوسط هربا من الفقر والقهر في اتجاه عالم أفضل.
والأحداث بفرنسا هي الأخرى، لم تكن تبعث على التفاؤل والارتياح، حيث كان الفزع والخوف يسيطران على قلوب المهاجرين بانتشار الأفكار اليمينية المتطرفة التي كانت تستهدفهم، وكان يُروِّج لها بالأساس حزب الجبهة الوطنية بقيادة (ج. م .ل، )وبعض الجهات والشخصيات السياسية من حزب اليمين المحافظ، مثل (ش. .......ود.ل) وغيرهما ممن جعلوا من موضوع الهجرة مادة دسمة يُشيعون بها الكراهية للأجانب، ويزرعون بها الخوف والحذر في قلوب الفرنسيين، حتى أصبحت الهجرة عُملة مُرْبِحة في يد المترشحين في كل الانتخابات، يتلهَّف عليها السياسيون ويَعِدون أبناءهم بتكثيف عمليات ترحيل المهاجرين السرِّيّين إلى أوطانهم، وفرض سياسة العقوبة المزدوجة (الحبس والطرد) على المتورطين في الجرائم التي تمَس أمن فرنسا حتى ولو كانت لديهم جنسية مزدوجة (جنسية فرنسية وجنسية أخرى)، وكثر الحديث عن قطع المساعدات الاجتماعية عن العائلات الأجنبية، التي تترك أبناءها يتسكعون في الليالي أو يقومون بعمليات الشغب والعنف وتدمير المرافق والتجهيزات العمومية، ولأن هذه المساعدات كانت، حسب زعم الأحزاب اليمينية، سببا رئيسيا في التشجيع على الهجرة إلى بلدان الغرب.
التحق إبراهيم بمكان إقامته الجديد، دار المهاجرين، عمارة مكونة من خمس طبقات، كل طبقة تحتوي على مجموعة من الحُجَر، مساحة كل حجرة صغيرة جدا تَسَع لسريرَيْن اثنين، تشبه في شكلها وفي تجهيزاتها حُجَر الحي الجامعي بمدينة وجدة.
عالم بعيد عن ضوضاء المدينة والأحياء المكتظة بالسكان، قليلةُ فيها وسائل النقل التي تسمح لك بالتحرك والتسوق، أو بالذهاب إلى الجامعة أو لزيارة المكتبات، تعيش فيه وسط عمال أغلبهم أو قُل كلّهم مهاجرون من جنسيات متعددة ذوو أعمار مختلفة، جاؤوا للعمل منذ الستينات، ومنهم من جاء في السبعينات، أهدافهم واضحة : العمل، ثم العمل، ثم العمل من أجل تحسين مستواهم المادي وضمان عيشهم الكريم، وكذا النهوض بمستوى عيش آبائهم وأبنائهم في الوطن. يرجع لهم الفضل في بناء التطور الاقتصادي الفرنسي الذي دمرته الحرب العالمية الثانية، هم المصدر البشري الأول لليد العاملة منذ مدة طويلة، أغلبهم أميون، لا يقرؤون ولا يكتبون، ولا يتكلمون إلا بلهجتهم المحلية، لا يفهمون لغة فكتور هوغو، وقليلا ما ينطقون بعض عباراتها الصالحة للتسوق أو عند زيارة الطبيب.
من حين لآخر تلتقي ببعض المتعلمين البسطاء، الذين لم يساعدهم الحظ في العيش بين أهاليهم ببلدهم الأصلي، منهم عاطلون عن العمل، ومنهم متقاعدون رفضوا العودة إلى أوطانهم لأسباب مختلفة، أهمها المرض، لأن حالتهم الصحية تستدعي علاجا مستمرا، أو تتطلب أموالا طائلة، فبقوا في فرنسا رهائن حالتهم الصحية، لأن فرنسا معروفة بصندوق الضمان الصحي الذي يتكفل بقدر كبير من تكاليف علاج المرضى. ومن هؤلاء المهاجرين أيضا فئة اختارت البقاء بفرنسا لإحساسها بالغربة في وطنها، نتيجة اندثار العادات والتقاليد، ومنهم من فقدَ كل ما يملك ببلاده بسبب الغصب والنصب والاختلاس من طرف المحتالين والنصابين وباعة الأحلام، وهي ظاهرة منتشرة في المغرب لا يترك فيها النصاب لفريسته شيئا، بل يأتي على كل ما عندها سواء كان أخضر
فرنسا 26/12/2020
إبراهيم عبد الكريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق