..............
محمد البكرى
.................
!!!!!!!!!!! ( رواية .. يوميات كاهن فى الأرياف ) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
::::::::::::::::: (( الفصل الثالث عشر )) :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
( ملحوظة ) اندهشت حين وجدت نبوءة تحققت بهذا الفصل على لسان المختار سمعان عن روسيا وجهاز استخباراتها - الكى جى بى - ، وما ستفعلة بدول الجوار ، وإشارة الى ثورة يناير فى مصر ، والكلام مكتوب منذ 15 سنة { علما بأن الرواية بأجزائها الثلاث مليئة بالنبوءات ، وتلك هى أهم وظائف الأدب .. فكاتب بلا نبوءة أفضل له أن يتوقف عن الكتابة }
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
مجموعة الأصدقاء التى أطلقت على نفسها اسم ( المختارين ) ، كانوا صفوة الشباب فى عزبة الباشا . عقول متميزة وشخصيات ناضجة وقلوب شفت وصفت ، حتى أصبحوا محط الأنظار . أحبهم كثيرون وحقد عليهم البعض .
كانوا حين يتنادون فيما بينهم يضيفون لقب مختار قبل الاسم وكأنها رتبة عسكرية . كان منهم مسلمون ، ومسيحيون ، وعلمانيون ، وعضو واحد يهودى الديانة والأصل هو سمعان . لم يكن مقيما بالعزبة ، كان من مدينة الإسكندرية ، تعرفت عليه المجموعة فى رحلة الى الإسكندرية ، أمضوا فيها بضعة أيام على ساحل ( الهانوفيل ) بالعجمي ، واعتبروه عضوًا منتسبًا يأتى لزيارتهم كلما سنحت له الفرصة واشتاق الى اعضاء المجموعة ، ورغب فى تمضية بعض الأيام فى ريف مصر الهادئ .
كان أعضاء الجماعة يطلبون حضوره فى المواقف ، التى تحتاج إلى آراء متباينة لاستجلاء أمر قد تواجهه جماعة المختارين ، وهم يتعاملون مع أحداث يودون الغوص فى عمق مشهدها ، للوقوف على أبعاد ما يجرى من ولهم من جِماع الآراء .
........................................................................................................................................
فى هذا اللقاء جلس المختار/ محمد ، والمختار/ أحمد ، يتكئ كل منهما على جزع شجرة والكل يلتف فى دائرة متقاربين ومعهما المختار/ صموئيل ، والمختار/ سمعان الذى أتى من الإسكندرية فى زيارة لأصدقائه .
كانت الوجوه يعلوها القلق وهم يشعرون أن البلدة مقبلة على شئ ما ، وأن هذا الشئ لن يكون لصالح أحد ، فالشيطان أصبح متحكما فى خيوط كثيرة ، وعادة حين يلعب الشيطان ، فمن المؤكد أن لعبه لن يكون لصالح البشر !
......................................................................................................................................
المختار محمد أكبر أفراد المجموعة سناً تخرج فى كلية الصيدلة ، وافتتح صيدلية بالعزبة أخيراً ليضمها إلى صيدليته التى يمتلكها بالمركز التابعة له عزبة الباشا ، التى تنتمى إليها أسرته ومنها كانت جذوره .
تجاوز العقد الرابع من عمره . تنضح قسمات وجهه بما يصعب وصفه ، وحين تعجزك اللغة فستجد نفسك تقول : الأصالة . حتى لو كنت لا تعرف بالتحديد ما تعنيه كلمة أصالة .
تنظر إليه فتظن له عمراً يقل عقداً أو أكثر عن عمره الحقيقى إن كان سعيداً مبتهجا ، فإن طافت به سحابة من الحزن ، فسوف تظن أنه قادم من زمن آخر ، وكأن عمره ألف عام .
له عينان عسليتان صافيتان ممتلئتان طيبة وذكاء ، وحزماً وابتسامة تحسها مفعمة بالسخرية ، لم يتخل عن طفولته أبدا . كان يمسك بتلابيب الطفل فى روحه ، يتمسك به بحزم وكأنه حياته التى يحرص عليها ولا يتمنى أن تفر من داخله . لا تملك إلا أن تحبه وتثق به بعد دقائق من لقائه .
درس الصيدلة والآداب والحقوق ، وأفنى حياته فى حقل المعرفة . لم يكره إلا الشر ، ولم يحب غير مثاليات الحياة ، عشق مصر بكل ما فيها ، وعاش ينتظر اليوم الذى سيموت فيه من أجل بلاده ، التى يحسها ترسب فى امتحان الحياة ، واحدا تلو الآخر ، من غير عيب فيها ، حتى فُصلت من المدرسة .
حاول فى شبابه المبكر إقامة جمعية تحت مسمى ” الجمعية المصرية لحماية العلاقات بين المسلمين والمسيحيين " ، ورفضتها الأجهزة المعنية . فاكتفى فيما بعد بـ "جماعة المختارين" غير المسجلة رسمياً .
***********************************************************************
نظر المختار / محمد إلى رفاقه وهو يمزح ليحد من حالة التوتر التى تخيم عليهم قائلاً :
: الحقيقة أننى أستطيع أن أقول ، أنكم مختارى المخاتير ، فباقى الزملاء تأخروا عن موعدهم ، وبما أننا نمثل كل الاتجاهات .. صموئيل عن المسيحيين ، واحمد عن العلمانيين ، وأنا عن المسلمين ، أما سمعان فرغم خلو مصر من اليهود تقريباً ، إلا أننا سنسعد بمعرفة وجهه نظره فيما تأخذه الأحداث ، من اندفاع نحو شىء لا ندريه تحديداً ولكنه غير مريح !
سمعان : يا مختار / محمد أنا لى اعتراض .
محمد : تفضل يا مختار/ سمعان .
سمعان : من يدينون باليهودية ليس لهم وجودًا ملموسًا فى مصر ، فعددهم بالتحديد مائة وستة وثلاثون فرداً ، وأنا أحب مصر ربما أكثر من كثيرين من المصريين ، بحثت كثيراً فى أعماقى لأعقلن هذا الحب ، فالمنطق لا يعى بوضوح لماذا كل هذا الحب لمن هو فى وضعى .. احتمال لأنى يتيم الأم .. وحين ماتت أمى أخذت أبحث عن أم بديلة ، فأنا لا أتصور الحياة بدون أم . أعيانى البحث بين البشر فلم أجد ، وفى يوم خرجت يائسا إلى الخلاء بمنطقة العجمي ، أحسست بحنين يدفعنى لأنام على الأرض ، كومت بعض الرمال وتوسدتها ، تقلبت وفردت ذراعى على الأرض . احتضنتها . وأقسم لكم أننى سمعت دقات قلب تسرى فى أوصالى !!
هل كان هذا رجع صوت صدى قلبى وهو يرتد إلىً ، هل كان هدير سيارة ، أو موجات صوت لآلة ضخمة يأتى من بعيد .. لست أدرى ؟!
كل ما أدريه أننى أحسست بنشوة غريبة ، شعرت أننى أنام على صدر أمى ، شممت رائحة الأرض فى أنفى وكأنها رائحة أمى . قبلت الأرض . قلت لها أنت أمى . جسد أمى الذى استحال إلى جزء من ترابك أعطى لك معنى وحياة ونبض ، وسألتها : هل تقبلينى ابنًا لك! وأقسم لكم أننى سمعت هدير أمواج البحر من بعيد ، وكأنه تجسد فى صوت بشرى يقول : أقبلك ابنًا لى .
: بكيت من الفرحة ، ومن يومها وأنا أحبها أكثر منكم .
.....................................................................................................................................
احمد : ماشى يا مختار /سمعان ، حِب إنت فيها وإتغزل والناس عايشه يا دوب !
صموئيل : أعتقد يا مختار/ احمد أن الحب ليس له علاقة بظروف المحبوب ، إنت ممكن تحب بياعة طماطم ، أو فلاحة بسيطة لا تملك شيئا من حطام الدنيا ، وليس شرطاً أن تكون محبوبتك أجمل بنت ، ومن عائلة كبيرة .
أحمد : يا مختار/ صموئيل كل البنات متشابهات ، وما دمت نويت الحب فلماذا أبحث عن فتاة تعبانة وظروفها بائسة لأحبها؟!
محمد : الحب ليس قراراً يا مختار/ أحمد . الحب حاجة تقع عليك من السماء فجأة وبدون مقدمات .. زى القدر !
أحمد : أنا اختلف معكم .. فأنا لا أشعر بوجود مصر فى حياتى .. لو مصر خيرها لأولادها، لو العدل سايد .. لو لقيت وظيفة .. لو لقيت عروسة وشقة ، كنت وقعت فى حبها . لكن من أين يأتى الحب وأنا ممكن تسمينى ( الموكوس فى بلاد الفلوس )
ضجت الصحبة بالضحك وتكلم سمعان ليقول :
سمعان : كلام المختار/ أحمد ينسجم مع موقف أحد الشعراء حين قال :
{ على اسم مصر التاريخ
يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندى
أحب وأجمل الأشياء
بحبها بعنف وبرقة
وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها
بعشق زى الداء . }
صموئيل : الشاعر صاحب هذه الكلمات اسمه ( صلاح جاهين ) وكلماته ذكرتنى بأحمد فؤاد نجم الشاعر اليسارى . ورغم أنى اختلف كثيراً مع اليسار والشيوعيين ، إلا أن أصدق كلماته ما قال فيها :
{ مصر يا أمة يا بهيـة
يا أم طرحة وجلابيـة
الزمن شاب وانتِ شابة
هو رايح وانتِ جايـة
مصر يا أمـة يا بهيـة }
محمد : هذا مجلس شعر وليس مجلس حرب إذن ، أنسيتم يا سادة أننا جئنا لنتحدث عن الحرب الأهلية التى بدأت فعلا بأحداث الكنيسة منذ يومين .
صموئيل : دعنا نهرب من سيرتها بعض الوقت !
محمد : سئمت من دفن رأسى فى الرمال حتى بات الشر يطرق بابنا .
سمعان : لما كان اليهود عايشين فى مصر لم نسمع عن أى فتنة بين اليهود والمسلمين .. ياترى ليه ؟ ولماذا هى بين المسيحيين والمسلمين هنا فقط على أرض مصر ، وليس فى أى بلد إسلامى آخر؟
احمد : سؤال وجيه ومفاجئ !
محمد : فى مصر بالتحديد لأن الظروف مهيأة !
صموئيل : إزاى يا مختار محمد ؟؟؟
......................................................................................................................................
محمد :
أولا : المسيحيون فى مصر ليسوا آلافًا أو مئات الآلاف ، إنهم نحو اثنى عشر مليونا ، وهذا الرقم غير موجود فى أى دولة إسلامية أخرى ، مما يجعل لهم بعض المطالب ، وهى بالطبع عادلة وحق مشروع ، فتلك هى المواطنة ، ولكن هذا يُشعر الآخر بأن لهم قوة ملموسة ، يُحتمل أن تمكنهم من بعض حقوقهم الطبيعية ، والتى هى مع وقف التنفيذ الآن .
ثانيا : الظروف الاقتصادية الضاغطة لأعصاب الجميع ، جعلت الكل يسقط آلامه وإحباطاته ومشاكله النفسية وعقده على الآخر ، فضلاً عن أنهم لم يعلموننا فى المدارس والبيوت كيفية التعامل مع الآخر واحترامه والعيش معه ، وطبعا هناك من يذكى نار الفتنة هنا وهناك !!
سمعان : كلام جميل يا مختار/ محمد.. يا ترى .. من فى رأيك يذكى الفتنة؟!
محمد : كل من لا يحب لمصر الخير من الدول الأخرى ، وكل المرضى النفسيين من المصريين .
أحمد : أنا أعتقد أن الفتنة محكوم عليها بالفشل ، والنار وإن اتقدت فسوف تُخمد .
صموئيل : ما هى الأسباب التى دعتك إلى هذا الاعتقاد يا مختار/ أحمد ؟
أحمد : أولا الكهنة والقمامصة والمطارنة وعلى رأس الجميع البطرك .. الأنبا شنودة ، جميعهم ليل نهار يكلمون الناس عن ملكوت السماوات .. الناس زاهدة فى الدنيا ومشاكلها هينة عليهم .
صموئيل : ليس كل الناس زاهدين يا مختار / أحمد ، وحتى لو انطبق هذا على بعض أمور الدنيا ، فلن ينطبق على ما يتعلق بالعقيدة . الموت عند المسيحيين أهون من التفريط. !!!
أحمد : يا مختار/صموئيل لم يطلب أحد من المسيحيين التفريط ، والأهم أن الشعب المسيحى فى مصر جنس من البشر غير مقاتل بطبيعته ، ويذكى تلك الروح نوع الخطاب الدينى الذى يوجهه الكهنة للشعب . والشعب يطيع الكهنة طاعة عمياء ، لأن سلطانهم من سلطان الرب بحسب الإنجيل وكتابات الرسل .
صموئيل : لا أوافقك فى كل ما تقول ، لأن المصريين جميعاً جنس واحد ، يسميه علماء الاجتماع ”الأقباط" .. بمسلميه ومسيحييه . الشعب المسلم هو الشق الآخر من المسيحيين وممكن جدا كما نرى فى المسلمين ، نرى ايضا مسيحيين يتحولون إلى شعب مقاتل ، إذا مُست عقيدتهم . على الأقل قتال سلبي ، يعنى استعداد للشهادة بفرح ورضا .
سمعان : يا مختار /صموئيل لو سألناك عن روح القتال الإيجابية فماذا سيكون ردك؟
صموئيل : يمكن للمسيحى فى ظل ظروف معينة أن يقاتل ، بل ومن الممكن أن يصبح عدوانيا فى لحظة ، مثل أى تكوين بشرى . هل يرانى أحد منكم كسيح أو ناقص رجولة أو مهزوز وخائف وجبان ! أنا إنسان مثل أى إنسان ، ومن حقى أن أظهر إنسانيتى بنقاط ضعفها وقوتها . أنا أنفعل وأغضب وأتألم وأكره وأحب وأثور وأقبل الموت ، وقد أرتكب جريمة ما فى لحظة .. هل ينكر علىّّ أحد إنسانيتي ؟!
أحمد : وماذا يمنعهم من الثورة وهناك فعلاً أنواع من المظالم واقعة عليهم ؟
صموئيل : صمام الأمان يا مختار/ أحمد هو الكهنة كما تقول .. إنهم يحثون الناس على تطبيق تعاليم الإنجيل .. من ضربك على خدك الأيمن فأعطه الأيسر أيضًا ، ومن سخّرك ميلاً فامشِ معه اثنين ، ومن أخذ رداءك فاتركه له ، هكذا يقول السيد المسيح ، ولكنهم يطالبون أيضاً ببعض الحقوق ليكسبوا مصداقية عند شعب الكنيسة ، ولا يُتهموا بالتفريط فينفض عنهم الناس ، وهنا تكون الكارثة التى تطال الراضى والعاصي .. المسلم والمسيحى ، الحاكم والمحكوم .
.........................................................................................................................................
محمد : تقصد لو صمام الكهنة توقف عن العمل فجأة ، فسوف يحدث انفجار؟
صموئيل : هذا أكيد يا مختار محمد .. القِدر الكاتم أو حلة البخار لها صمام أمان ، إن زاد الضغط عن قُدرة احتمال الإناء ، سمح الصمام بمرور بعض البخار ليخفف الضغط ، وإذا توقف الصمام كان الانفجار حتميًّا !
أحمد : ومتى يتوقف الكهنة عن القيام بدور صمام الأمان ؟
سمعان : ربما لو مست مصالحهم الشخصية !
صموئيل : الكهنة ليس لهم مصالح شخصية ، إنهم مختارون مثلنا تمامًا ، واختيارهم تغلب عليه سمات روحية ونفسية ، وهدفهم وراء ماديات هذا العالم .
محمد : ليس بالضرورة أن تكون كل المصالح فى الدنيا مادية أو خاصة ، هناك الفكر أو العقيدة الدينية ، وهى تقوم مقام المصالح المادية عند عامة الناس .
صموئيل : المختار/ محمد اقترب من الحقيقة ، وأنا أعتقد أن ثورة الكهنة وتوقفهم عن القيام بدورهم الداعم للسلام الاجتماعى ، سيكون فى حال تعرض العقيدة المسيحية لأذى بأى شكل أو على أى مستوى .. هنا فقط يمكن للكهنة أن يتخلوا عن دورهم الطبيعى وتكون الكارثة ويحدث الانفجار .
محمد : والانفجار الذى يوشك أن يقع الآن سببه إحساس بأذى سوف يلحق بالعقيدة .
صموئيل : هذا الانفجار الوشيك ليس للكهنة يد فيه ، فالمنطق يقول أن الإنسان يحدد موعد ثورته حين يكون قادرا على تحصيل فائدة ما فى هذا التوقيت ، والانفجار المزمع الآن لا يحقق مصالح للعقيدة الإسلامية أو المسيحية ، على العكس سيؤدى إلى إيذاء للعقيدة وأصحابها من الجانبين .
أحمد : من صاحب المصلحة إذن فيما يحدث الآن؟!
......................................................................................................................................
سمعان : أنا عندى رأى .
كل المختارين : تفضل يا مختار سمعان .
سمعان : أنا كنت فى زيارة لإسرائيل منذ أكثر من عام ، وهناك رأيت ”ميشيل" الملقب ”بميشو"، صافحته وعلمت أنه يستورد بعض الأجهزة والمكونات لمصنع الخمور الذى يقيمه على حدود عزبة الباشا ، وسط مزارع العنب الخاصة به ، والحقيقة أن قريب لى وهو سياسى محنك وعلى علاقة بصناع القرار هناك ، حذرنى من التعامل مع هذا الشخص إن لقيته فى مصر ، وقد علمت منه أنه عرض نفسه على ”المخابرات الإسرائيلية” التى رفضت تجنيده ، والثابت عنه أنه شخص بلا قيم يمتلئ قلبه بالحقد على مصر ، والكراهية للمصريين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين .
محمد : لماذا حذرك قريبك منه ، ولماذا هو حاقد على مصر وأهلها؟!
سمعان : حذرنى منه لأنه يحبنى بحكم القرابة ، ولأنى يهودى الديانة ، ووضعى حساس فى المجتمع المصرى .. أنا أحب المشاركة فى الحياة العامة وبالقطع أنا تحت عيون المخابرات المصرية ، وشخص كهذا قد تسىء إلىً مصادقته ، ومن الناحية الأمنية قد يسبب لى وللجالية اليهودية الصغيرة مشاكل نحن فى غنى عنها . أما لماذا هو حاقد على مصر وشعبها ، فلأنه ليس من أصول مصرية ، هو ليس قبطى ، فهو من عرق يعود الى القبائل السلافية وأتى جده الى مصر واستوطن هنا . وايضا يكون هكذا دائما المصابون بالشذوذ الجنسي .
صموئيل : نحن نعرف انه ليس من أصول مصرية ، ولكن هل ميشيل مصاب بالشذوذ الجنسى ؟
سمعان : نعم .. ولو ذهبت إلى مصنع الخمور الخاص به ستجد كل العاملين بالمصنع ، من سائقى السيارات والمحاسبين والعمال والفنيين ، كلهم بلا استثناء شواذ ، وكأنهم يشكلون رابطة للشواذ فيما بينهم ، والأدهى من هذا الطبيب ضابط الجيش شريكه فى هذا المصنع !
أحمد : تقصد الدكتور أشرف صاحب العيادة المشهور ، والذى يداوم على الصلاة فى الجامع القريب من عيادته !
صموئيل : هذا الطبيب الأبيض الملظلظ أبو العيون الملونة . لقد كشفت عنده على والدى وكان يعانى من آلام كبيرة فى الظهر ، ولم يظهر أى تحسن على علاجه ، رغم الكشف الغالى ورسوم التحاليل التى يقوم بها فى إحدى غرف عيادته بالمخالفة للقانون .
محمد : وما حكاية هذا الضابط الطبيب؟!
سمعان : الدكتور أشرف عميل للمخابرات الروسية (K.G.B.) التى أصبحت قوتها أكثر عشرة أضعاف مما كانت عليه ، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى . إنهارت الدولة وبقى جهاز مخابرتها ينمو بشكل سرطانى ، للحفاظ على قوة روسيا والتمهيد لعودة الاتحاد السوفيتى مرة أخرى ، وهو أيضًا من الشواذ المعروفين .
محمد : هل أفهم من هذا أن ميشيل وشريكه الدكتور أشرف ، يشكلان تنظيما للشواذ ، وأن هذا التنظيم يعمل لصالح المخابرات الروسية ، التى تحرك الفتنة الطائفية من خلال عملائها المنتشرين فى مواقع كثيرة الآن !
سمعان : أصبت كبد الحقيقة يا مختار/ محمد.
.....................................................................................................................................
محمد : يبدو أن ظروف البلد هذه الأيام ستكشف الكثير مما كان غير معلوم ، اسمحوا لى نيابة عن مصر أن أشكر المختار/ سمعان على تلك المعلومات القيمة التى ستفيدنا فى مقاومة الفتنة ، والتى تدفعنى للدهشة والتساؤل .. لماذا أجهزة الأمن فى إسرائيل حريصة على كرامة اليهود وعلى حمايتهم من الوقوع فى أخطاء أمنية قد تسىء إليهم ، حتى ولو كانوا منتمين إلى بلد آخر.. فى حين أن مخابراتنا ..... !!
سمعان : أعتقد أن أجهزة المخابرات فى مصر رغم محاولات التطهير المستمرة ، مازالت تعانى من اختراق المخابرات الروسية لها ، مما يؤثر على أدائها ، وقد يستغلها (K.G.B ) لخلق مشاكل تعجل بحدوث انقلاب أو ثورة لصالح الروس ، لتشكل مصر وليبيا والجزائر نقطة وثوب للقارة الأفريقية .
أحمد : هل لإسرائيل يد فيما يحدث؟
سمعان : أنا لست ممن يؤمنون بوطن قومى لليهود ، وطن اليهود هو العالم كله ، ليكونوا قدوة للشعوب ، يبثون بينهم الأخلاق وتعاليم التوراة ووصايا الله ، ولست ممن يحترمون العديد من نراهم من المتعصبين اليهود أو العنصريين أصحاب المواقف المتعنتة من الفلسطينيين . ولكنى أؤكد لكم أنه ، ليس لإسرائيل دخل فى الفتنة .. بل على العكس .. فمن صالح إسرائيل أن تكون أقوى الدول الحدودية معها مستقرة أمنياً ، حتى لا تكون مصدراً لمزيد من المشاكل الداخلية لديها . أو حتى حروب جديدة فى ظل نظام جديد ، لا يدرى أحد كيف ستكون مواقفه المستقبلية .
محمد : لسنا بصدد تحليل وضع إسرائيل الآن فقد نختلف فيه ، ويضيع منا الوقت . إننا بصدد فتنة ولا بد أن يكون لنا دور . فمن الصعب علينا أن نجلس فى مقاعد المتفرجين !
........................................................................................................................................
أحمد : يا مختار /صموئيل .
صموئيل : كلى آذان صاغية يا مختار/ أحمد .
أحمد : ما رأيك .. بدلاً من أن نقتل بعضنا البعض ، سوف أقترح حلاً نظريا بإعطاء المسيحيين فى مصر قطعة أرض يعيشون عليها ، لنصبح جيراناً متحابين ، بدلا عن أن نحيا فى بيت واحد ، وكل منا يسن خنجره تحسباً لشر قد يطوله من الآخر؟!
صموئيل : يا مختار/ أحمد .. أنا قبطى مسيحى وأنت قبطى مسلم .. لا أنا ولا أنت رفعنا الأسلحة لنتقاتل ، وعلى يدك دعاة الفتنة يتفرقون بين عاهرات ، وشـواذ يعملون لصالح المخابرات الروسية . وبين فاهم عايز يسترزق ، وحمار لا يفهم .. كل هؤلاء جميعا باعوا أنفسهم للشيطان ، ما لنا نحن وهؤلاء المأبونين !
محمد : ( مبتسما بسخرية ) وهل فكرت فى حدود الدولة التى ترغب فى منحهم إياها سيدى الرئيس ، ولا أقول المختار هذه المرة؟
أحمد (ضاحكًا) : طبعا .. سوف أعطيهم قطعة عسل صافى . صحراء سيناء بالكامل وشرق الدلتا، كل ما هو شرق فرع دمياط بدءاً من رأس البر وبحيرة المنزلة ، مرورا بمعظم محافظة الدقهلية بعاصمتها مدينة المنصورة الجميلة ، والواقعة شرق النيل ، وكل محافظة الشرقية ومعظم القليوبية شاملا مدينة بنها ، شرق النيل ، وطوخ وقها وقليوب حتى مدخل مدينة القاهرة ، لنقف عند المظلات وبالتحديد كل ما هو شمال ترعة السلام ، ونتجه شرقا وحتى مدينة الغردقة على البحر الأحمر ، والأفضل نمدها قليلاً حتى مدينة سفاجا جنوباً ، لأن صموئيل يحب الصيد بتلك المنطقة .
أغرق الجميع فى الضحك بسبب تلك العبارة الأخيرة ليتكلم محمد معلقا ساخرا:
: أرجو أن يكون من شروط التقسيم ، نفق يمتد من عزبة الباشا التى ستتسلمها الدولة المسيحية بموجب هذا التقسيم ، وحتى مدينة مطروح غرباً .
أحمد (ضاحكًا) : لماذا سعادتك هذا النفق الطويل ؟
محمد : لأنى سأقيم فى مطروح بعيدا عن الحدود فى تلك الحالة ، لأنأى بنفسى عما يذكرنى بخيبة المصريين ، وحين تسوء العلاقة بين الدولتين فسوف يكون النفق طريقا مأمونا لزيارة صموئيل فى عزبة الباشا .
أحمد : وأنت يا مختار/ سمعان ؟
سمعان : أدعو الله الا أكون حياً حتى هذه الساعة ؛ فأنا لا أتخيل مصر بدون كل أصدقائي ، وكل الأماكن التى أحببتها !
أحمد : ولا يهمك سأحلها لك باقتراح إضافى يضم دولة بين الدولتين لتسهيل المرور بين الشرق والغرب ، ولمنع وقوع مناوشات على الحدود بين الدولتين الجديدتين ، وسيكون موقعها وسط الدلتا بين فرعى رشيد ودمياط. ، وسوف أجعلها للمختارين وأسميها "دولة المختارين المتحدة".
محمد : ( ضاحكا ) أنتم خربتوها وقعدتم على تلها .. كفاية تقسيمات اليوم فالاجتماع بدون كل المجموعة كاملة لم يأتِ بأى ثمار .. الفتنة استيقظت ونحن مازلنا نيام .
أحمد : دعونا نتكلم جد .. وسوف أقترح عليكم شيئًا خطيرًا - قال أحمد كلماته وهو يفتح علبة بيرة كان يضعها أمامه منذ بداية الجلسة .
صموئيل : ربنا يستر من أفكارك يا مختار/ أحمد خصوصا بعد ما فتحت علبة البيرة .
أحمد : بالعكس .. أنا لما أشعشع أقول زُبَد وبهاريز .
سمعان (مبتسما) : تفضل بهرزنا أيها العلمانى المسرف فى الخيال .
أحمد : سأقول اقتراحاً يحمى مصر من التقسيم ويحل مشاكل المنطقة العربية والإسلامية بالكامل ، وبدون إراقة نقطة دم واحدة .
محمد : وهل هذا ممكن يا مختار/ أحمد !
أحمد : لماذا لا يصبح رئيس أمريكا رئيسًا للعالم كله . وهنا يكون لقب رئيس مصر مثلاً كالتالي "رئيس الجمهورية ونائب الرئيس الأمريكى عن ولاية مصر".
محمد : يا حلاوتك .. يا حلاوتك وأنت سكران ! وتهيئ نفسك لشوارد الفكر بعد فتح علبة البيرة .. ليستر الله على الكرة الأرضية حين تصل إلى نهايتها .
أحمد : هذا اتهام أرفضه، وسوف أوضح لك الصورة بقليل من الخيال .. زمان كان الباب العالى فى "إسطنبول" أيام الخلافة العثمانية ، يعتبر رئيسًا للعالم الإسلامى كله ، وكان رئيس مصر يُسمى الوالى وهو تابع للباب العالي . ماذا سيفرق ؟. هى.. هى !
سمعان : أنت بهذا تطلب الاحتلال بنفسك !
أحمد : من منا الذى سكر الآن .. إذاً كان على الاحتلال فنحن محتلين ، وإذا كان على الولاية فكل الحكام العرب موظفين فى البيت الأبيض .. لا يجب أن نصبح مثل النعامة وندفن رؤوسنا فى الرمل .. أنا هدفى وضع المسميات الدقيقة من غير مكابرة .
محمد : خلاص.. على كلامك هذا مثل ذاك .. ولن تفرق .. فلماذا نطلب التبعية رسمياً .
أحمد : لا .. تفرق كثيرا جدا . أولا الحرب بين أمريكا والدول الإسلامية سوف تتوقف بحكم أن الدول الإسلامية أصبحت ولايات أمريكية تابعة لها .. وثانيا أمريكا لن ترضى بالانهيار الاقتصادى لولايات تابعة لها .. وثالثاً وعلى المستوى الإنسانى لن توافق أمريكا على ظلم الغلابة والأقليات فى كل العالم العربى ، ولا على قهر المفكرين وتجويع المثقفين وسجن الأحرار وإعدام واغتيال الأخيار .
صموئيل : أى خيار يا مختار / أحمد يبدو أنك تفكر فى طبق سلطة لزوم المزة .
أحمد : افهمنى يا وزير المزة وأنا أوضح لك ، يذكر التاريخ أن ابن ”عمرو بن العاص" والى مصر ، ضرب أحد المصريين حين تغلب عليه المصرى فى سباق للفروسية وهو يقول له : كيف تسبق ابن الأكرمين ! ، وكلكم عارفين إن المصرى سافر إلى شبه الجزيرة ، وشكا لعمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، فأمر واليه على مصر ”عمرو بن العاص" أن يرسل له ابنه على حمار يركبه بالمقلوب إلى مقر الخلافة ، وهناك أعطى الشاب المصرى سوطاً وهو يقول له : اضرب ابن الأكرمين كما ضربك .
محمد : ماذا تقصد من روايتك تلك يا مختار/ أحمد .
أحمد : أتمنى لو ظلم أى مواطن فى أى بلد عربى أو إسلامى – وما أكثر المظالم هذه الأيام – أن يتقدم المظلوم بشكوى للباب العالى فى واشنطن . ما دامت لا توجد دولة عربية أو إسلامية مؤهلة للقيام بهذا الدور الآن ، فيرسل الرئيس الأمريكى فى طلب الظالم على طائرة يركبها بالمقلوب ، ويعطى المظلوم كرباج وهو يقول له اضرب ابن الأكرمين . يومها سينصلح حال الأمة ، ويزع الله بالسلطان ما لم يزع بالقرآن ، كما تقول الحكمة العربية .
صموئيل: وماذا يضمن لك أن الباب العالى فى واشنطن لن يكون ظالما ويحابى الأقوياء والحكام ، ويزيد على هذا نهب ثرواتنا القومية .
أحمد : الله يخرب بيت ثرواتنا القومية التى لم نرها يوما ولا شعرنا بها، بترول العرب أرصدته فى بنوك أمريكا ، ولا يستطيع دكر واحد من حكام العرب أن يطلب دولار واحد . أما ظلم الحكام فهو واقع .. واقع .. وأنا أستبعد أن يكون هناك أسوأ مما نحن فيه .. نجرب ونشوف ، ولن نخسر شيئاً .
محمد : أعتقد أن أخوكم سِكْر والأفضل أن ننصرف الآن لينال كل منا قسطاً من الراحة ، فالأيام القادمة قد تحتاج إلى فعل نوقف به المهزلة الوشيكة الوقوع ، وليس حوارًا لا يأتى بثمار .
قام الجميع يودع كل منهم الآخر، وقام سمعان ليأخذ طريقه مع أحمد ، وكان قد نزل ضيفا عليه فى تلك الزيارة التى دُعى إليها .
____________________________________________________ د / محمد البكرى
رقم الإيداع ( 24485 / 2006 )
( الإسكندرية - ميامى - شارع 45 برج الهنا )
( تمت يوم 23 / 3 / 2006م )

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق