......................
د. خالد الجلاصي
.....................
غَابَ الحَقْ وْ رْجَعْ الحَقْ"
كان الهدوء يخيّم على الحاضرة بعد أن سمع كلّ سكانها صوت مدفع رمضان و هو يعلن عن وقت الإفطار في تونس و ضواحيها و بعد صعود الأذان في سماء الأحياء ...
لكن لم تخلو بعض الأنهج و الأزقة من أطياف رجال أسرعوا إلى جامع الزيتونة للإلتحاق بموكب المصلين ساعة المغرب و قد خيّر البعض التفرّغ للصلاة و الإعتكاف بين جدران الصرح العظيم
و على رغم شيوع خبر ما راج في القيروان من دعم أولاد وسلات لمراد الثالث الفار منذ أكثر من ثلاثة أشهر فلم يكن عدد الإنكشاريين كبيرا في دورات الحراسة و المراقبة لقصر الباي رمضان باي الذي اعتلى الحكم منذ ثلاث سنين ... بعد أن قتل أخاه الذي يكبره محمد باي الذي سبقه في حكم تونس.
و لم ينتبه أحد من العساكر لذلك الباب الخلفي الصغير للقصر الذي فتحه أحدهم لمجموعة تزيد عن عشرين شخص تسلّلوا عبره لأسوار القصر حتّى يتمكنوا من جند المراقبة في لحظات قليله ...
و فتح الباب مرة ثانية ليدخل فوجين آخرين بعد دقائق أثناء تناول أغلب الجند قسطا من الراحة للإفطار و التحظير لمسامرات الجمع ...
و ماهي إلّا لحظات حتى علت أصوات طلق نار في أرجاء القصر و لم يدم الصخب أكثر من ساعة حتًى تمكن عبد الجبّار و عبد الباسط من أولاد الحاج بشير كبير الوسلاتية بأيديهم بنادق القتال من ولوج حجرة الحاكم الذي لازم الفراش منذ يومين بعد أن أصابه رشح شديد فلازم جناحه المخصص للراحة ...
أدرك بعدها أحد أغنى جيران القصر بداية عصر جديد عندما اختلست جارية بيت شيخ الصايغية من خلال شباك عليّتها و قد لمحت صاحب الجاه و هو في الطريق في صورة على غير عادة الملوك من تبجيل و تقديم ...
هذا الذي لم يكن إلّا عثمان باي الذي أقتيد دون أدنى مقاومة لأنه فهم أنّ رياح الحكم مالت لمن أراد سمل عينيه ذات يوم ذاك الشاب العنيف صاحب أشهر الألقاب في الدولة المرادية و آخر من حمل لواءها
ذهبت الجارية لتعلم صاحب البيت ... و لم يكتمل بعد سواد الليلة الرابعة في بداية مارس سنة 1699 ميلادية أو رمضان سنة 1110 هجرية حتى تعرّف أغلب أصحاب الشأن في الحاضرة ما آلت إليه الأوضاع ...
و في صباح اليوم التالي سمع أهل المدينة جمع من العسس و هم يطوفون في أنهج المدينة و أزقتها و معهم بعض عناصر الجوقة العسكرية بالطبول و المزامير
بألحان عسكرية يتخللها الخطاب التالي بلهجة أهل الحاضرة و اللي مكتوب في فَرَمَانْ
"يَا حَاضِرِينْ اعْلْمُوا الغَايْبِينْ
غَابَ الحَقْ وْ رْجَعْ الحَقْ
وْ سِيدْنَا مُرَادْ بَايْ الثَّالِثْ يَا أَهْلِ لِمْدِينَهْ
رَجَّعْ حَقُّوا وَ حَقْ مِنْ صْدِقْ
و اللِّي نَاوِي يْهَنِّي يَحْظِرْ فِي سَاحَةِ القَصْبَهْ
و اللِّي مُوشْ نَاوِي سِيدْنَا يْهَنِّيهْ
بِشْ يْخَلْطُو عَلِّي سْبِقْ"
و خلف فرقة العساكر كان هناك جموع من المردّدين
"عاش سيدنا ... عاش سيدنا ..."
سيدنا "مراد بو باله" ...
و لمن لا يعرف معنى "الباله" باللغة التركية فليتذكر السيف
و ما سيجنيه من رؤوس في قادم الساعات أولها رأس عمّه "عثمان باي" ...
د. خالد الجلاصي
22:47
08/04/2022
*** سرد لأحداث واقعية بتصرف من طرف الكاتب ***

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق