.................
علي غالب الترهوني
................
مشاوير 59…
__________
تركنا الساحة تعج بزوارها الغرباء .دخلنا شارع فسيح واجهاته بيضاء بنيت على الأرجح في القرن السادس عشر .اقواس رومانية ونوافذ تركية وهواء عربي داعب انوفنا برفق .ثمة نساء طاعنات لا يلبسن البرقع مثل امي .كن سافرات يصارعن اوجاعهن ويلهثن بحرقة عجيبة كعنزات شردن من ذنب في الجوار والآن استقر بهن المقام .أفضى بنا الشارع أخيرا الي باحة واسعة يتوسط فضاءها نافورة أحاط بها الأطفال صحبة أمهاتهم. كانت الناقورة تضخ الماء الي أعلى ثم ينساب على شكل وردة كبيرة ..ذكرني ذلك بمعاناة بلدتي وسكانها البسطاء الذين يجلبون الماء من أماكن بعيدة ..كم هم مترفين هؤلاء الناس .الي الدرجة القصوى التي تدفعهم للعبث بالماء الذي لا يوجد عندنا .بالنسبة لي كنت أضع البراميل على ظهر الدابة واسلك درب الهنشير الي ان اصل المرتفع حيث ينام جدي لأكثر من مائة عام .اجد نفسي مجبرا أن أقف على اعتابه واقرأ الفاتحة ثم أنثر أمنيات للحود المبعثرة بالمغفرة لهم جمعيا. .وأحيانا كنت اخلع نعلي واجلس علي ذات الصخرة التي يقف عليها الإمام يوم صلاة العيد وادخل في حوار طويل وطويل .كنت أقول بصوت مجهش وتسبقني العبرات .تعبت ياجدي أتعبتني العاديات وارهقني سحرهن العجيب .كأنني آرث عرش بلقيس وأصبح كاهن كبير ترتادني نساء عاشقات أكتب لهن طلاسم سليمان .انا ياجدي ابن الأرض التي وطأتها قبل أن يطأها أبي لازالت أصابعي محفورة في ثراها. .ثم أبتسم مثل الأبله. .لقد أصبحت شاعرا ربما لن أصبح مثلك لكنني أستطيع أن أقول ما أريد. .سأقول لك شيء. كتبت ذات مرة عن مدينة غريبة كانت رفيقتي ليلى حدثتني عنها قلت فيها مدينة يسكنها الأشباح خالية من الأفراح. مدينة لا تعرف حتى أولادها فهل ستقبلني اذا مازرتها وانا جائع من يطعمني ونصف عمارها ماء مالح ..لم ينتشلني من ذكرياتي تلك إلا صوت عمي مبروك ..هل اصابكم الجوع سنذهب الآن الي باعت البريوش. .
________________
علي غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق