الخميس، 17 فبراير 2022

 .................


فخري محفوظ / كاتب عراقي

.................



الجزء الثالث من ( واوية المغازي.)
بقلم فخري محفوظ / كاتب عراقي
أصدقائي القراء الكرام
تحية عطرة
سبق أن قمت بتحليل الثلثين الأولين من (واوية المغازي ) وهي القصيدة التي يفتخر صاحبها بها لأنه يصنفها ضمن ا(للزوميات) من القصائد التي لا يطيق الإتيان بمثلها إلا (الفرسان من الشعراء) الذين امتلكوا ناصية اللغة العربية و طوعوا الانغام ، يتصرفون بها كيف يشاؤون وهذا لا يتأتى لكل شاعر، و إنما يختص به الكبار الفطاحل من أمثال (ابي العلاء المعري شيخ المعرة،) و(حسن بن احمد الإسنوي الأقصري ) الملقب ب(المغازي) نزيل مصر المحروسة.
هذه القصيدة التي قاربت ابياتها (مائة) بيت من (الشعر الفصيح) والتي تتكون من (أثلاث ثلاثة) ، هي في حقيقة الأمر ليست قصيدة واحدة ،وإنما هي (ثلاث قصائد )تشترك كلها بالروي والبحر و بالغرض الشعري ، وهناك ابيات تتكرر في القصائد الثلاثة هذه ، و توجد تعابير وتراكيب وجمل أخرى تتكرر حرفيا، ويكفي القارئ ان يقرأ القصيدة الأولى فإن فيها غناء عن الباقيتين ، ولكنني لأغراض الدراسة أولا ، ولكي لا يتبجح ( متبجح) من أن القصيدة في ثلثها الاخير تمثل قمة الإبداع ، ثانيا ، أجدني مدفوعا لتحليل هذا الثلث المتبقي، على أن أنهج نهجا مغايرا لما قمت به في الثلثين الأولين من القصيدة،
النهج الذي اتبعه في هذا المقال يقوم على فكرة الدراسة المسحية الشاملة للمفردات والتعابير والتراكيب مبينا (الشذوذ )فيها (ان وجد) و مؤشرا نقاط الضعف في صياغة الجمل ومنوها بما يستحق التنويه والإعجاب ، لكي لا يقال اننا نتحامل على الرجل ، فليس في الأمر تحامل ولا أحقاد ، ولا شيء شخصيا بيننا ، وكل ما في الأمر هو تحليل أثر (شعري ) ، يدعي صاحبه تفوقه فيه على غيره وتفرده في مضماره،
القصيدة التي نتناولها اليوم هي قصيدة قيلت في مدح السيد (عبد الفتاح السيسي) رئيس جمهورية مصر العربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية ، وذلك بمناسبة ذكرى عيد ميلاد سيادته
، ونقتبس منه تقديمه لقصيدته بألفاظه فيقول :
( قصيدتي هنا ، كشأني في غالبية قصائدي، على فن اللزوميات ،في قرض شعر العربية ،وهو مقصور على فرسان الشعراء، الشاعر فيه فارس لا يكتفي بترويض الفرس في الطريق المعبد ، لا يكتفي بما يلزم الشاعر من أنغام الشعر العربي ،انما يسمو الى ترويض الفرس في القنن والهضاب ، يلزم نفسه بما لا يلزمه به القريض ، تلك سمة اقتدار ، لله در ابي العلاء المعري ( الحوراني) الشآمي في نشره ذلك الفن .).
إذن الناظم هنا يصنف نفسه بأنه من صنف (فرسان الشعراء) .الذين لا يكتفون بالنظم العادي وحسب، وإنما يزيدون التحدي ويرفعون من درجة الصعوبة فيما ينظمون متجاوزين تلك الصعوبات التي ألزموا أنفسهم بها متفوقين بذلك على الشعراء الباقين ممن يؤثرون السلامة ويتجنبون الصعاب ، وهذا ما لم يفعله المتنبي ولا أبو تمام ولا البحتري ولا بشار من العباسيين ولم يفعله شعراء الحقبة الأموية قاطبة .ولم نجده إلا عند ابي العلاء المعري الذي نظم ديوانا كاملا اسماه ( لزوم مالا يلزم أو اللزوميات). ولم نجد لهذا اللون من النظم ( اي اللزوميات) قبولا عند شعراء العصر الحديث من كبار شعراء العربية في شتى أقطار امة العرب بدءاً من محمود سامي البارودي و عبد المحسن الكاظمي و أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ، وأبي القاسم الشابي مرورا بخليل مطران وبشارة الخوري ورشيد سليم الخوري وعمر أبو ريشة ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وانتهاءا بمحمد مهدي الجواهري . و أعتقد أن الإنسان لا يميل الى التعقيد و وضع العراقيل أمام نشاطه الفكري (الادبي او العلمي) ، إلا لوجود مبرر لذلك أو- حاجة في نفس يعقوب قضاها- كما يقال !
الفوضى واختلال النظام لا ينتجان إلا الخراب والإنحلال ، وهذا من بديهيات الوجود ، ولا يجادل في صحة هذا الرأي إلا المعاند الذي يريد أن يثبت وجوده عن طريق العناد والجدال العقيم ليس إلا، ونحن حيثما وجهنا وجوهنا نرى النظام والانضباط والترتيب يسيطر على كل شيء، وهذه ميزة هامة من ميزات المادة من أصغر الكترون الى اكبر مجرة في هذا الكون الواسع،
واللغة التي يتخاطب بها بنو البشر ، لا تشذ عن هذه القاعدة ، فهي نظام إشاري معقد تتنوع فيه الأساليب، وتتعدد فيه الأنماط ، وتتشابك فيها العلاقات ، وتتداخل فيه المسالك ، لكي تؤدي الوظيفة التي وجدت من أجلها، ألا وهي وظيفة التواصل ونقل المعلومات ، وتبادل الأفكار ، وإبراز المحتوى الفكري للإنسان، وجعله مفهوما وقابلا للنقل، وما أصدق القائل: (إن اللغة هي وعاء الفكر ، وأداة التفكير ، و بدونها لا يتمكن الانسان من ان يفكر ، ) ،ولذلك نجد أن اي اضطراب عقلي يصيب المرء تظهر أعراضه بشكل أو بآخر على اللغة، اسلوباً أو أداءً ، أو شذوذا في انزياح دلالات الألفاظ ، أو اضطرابا في علاقات الكلمات مما تتصف به كل لغة ، وبما يميزها عن غيرها، وهذا الاضطراب وعدم وضوح التعابير وتشوه التراكيب وغيرها ، هو ما سوف يلاحظه القارئ اللبيب في هذه القصيدة موضوع البحث
إن القارئ الكريم ، وهو يقرأ هذه القصيدة التي نظمها فارس من فرسان الشعر العربي من طبقة أبي العلاء المعري ، وهو أستاذ في علوم اللغة العربية والنحو والعروض وموسيقى الشعر ، ويحمل درجة الدكتوراه ، ويحفظ عشرات الألوف من الأبيات الشعرية من عيون الشعر العربي ، لكبار شعراء العربية، منذ العصر الجاهلي والى عصرنا الحاضر ، ويحفظ القرآن بأربع عشرة قراءة ، ويحفظ كذلك ، ألف حديث نبوي صحيح بأسانيدها ، وليس هذا فحسب ، بل يجيد اللغة الانجليزية إجادة تامة ، ومطلع على أعمال كبار كتابها وشعرائها ، وكذلك الأمر مع اللغة الفرنسية ، ويجيد كذلك القراءة والكتابة بدرجة جيدة في اللغة العبرية ، أقول إن القارئ الكريم يتوقع أنه سوف يقرأ شعرا أقل ما يقال عنه أنه ممتاز ،لأن الناظم الدكتور حسن مغازي قدم نفسه للقارئ الكريم كأنه مؤسسة ثقافية وعلمية كبرى ، فلا مجال هنا لأي نوع من الركاكة في اللفظ أو التهافت في المعنى ، لأن هذا مما لا يليق بفرسان الشعراء ولا بالعلماء المتخصصين ،
القصيدة ( الواوية) هذه التي هي موضوع البحث تتكون من سبعة وعشرين بيتا ، من البحر الطويل الضرب الثاني ( مفاعلن ) ،
سأركز في مقالي هذا على عدة نقاط تتميز بها هذه القصيدة ، دون الخوض في ملابسات الأبيات الشعرية بيتا بيتا ، فذلك لن يقدم شيئا أكثر مما كنت قد ذكرته في الثلثين الأولين اللذين قمت بدراستهما آنفا ،
يسود التفكك ، وفقدان التسلسل المنطقي ، جو القصيدة من البيت الأول والى نهايتها ، وهذا يدل على تسرع الناظم في عمله، غير ملتفت الى ما يتطلبه كل عمل فكري من التروي والتخطيط الجيد والتركيز المطلوب لإخراج عمل فني يستحق التقدير والإعجاب ، وإذا ما رجعنا الى كل النتاج الفكري للبشر ، نجده لا يشذ عما ذكرنا من لزوم توفر الشروط اللازمة للنجاح . أبيات القصيدة تعاني من تخلخل في النظم ، بحيث أن القارئ لو حذف بيتا أو أثنين أو أسقط عدة أبيات من القصيدة فلن يتأثر السياق ولا يختل المعنى ( إن وجد ثمة معنى ) ، ولا يضطرب النظم، لأن الأبيات لا يسند بعضها بعضا ، ولا يرتبط بعضها بالبعض الآخر معنويا ، وهذا برأيي سببه الفهم غير الصحيح لما اعتاد على ترديده الدكتور مغازي ، من أن البيت الشعري هو وحدة بناء القصيدة العربية التقليدية(الكلاسيكية)
و الذي يبدو أن الدكتور مغازي قد فهم الأمر فهما غير صحيح . أو فهما مشوها ، في أحسن الأحوال ، صحيح أن البيت الشعري في القصيدة العربية هو وحدة بناء القصيدة ، ويجب أن يتم المعنى بنهاية كل بيت ولا يتعداه الى ما بعده ، ولكن هذا لا يعني بأية حال ، أن البيت لا علاقة منطقية تربطه بما قبله وبما بعده ، فالغرض الشعري والفكرة والصورة والوصف هي بمثابة السلك الذي ينتظم الأبيات مكونة كلا واحدا يسمى القصيدة، ولنأخذ مثلا على ذلك من شعر الجواهري في مدح ملك الاردن الحسين بن طلال بمناسبة عيد ميلاده ف يقول :
( يا سيدي أسعف فمي ليقولا
في يوم مولدك الجميل جميلا
أسعف فمي يطلعك حرا ناطفا
عسلا وليس مداهنا معسولا
يا أيها الملك الأجل مكانة
بين الملوك ويا أعز قبيلا
يا ابن الهواشم من قريش أسلفوا
جيلا بمدرجة الفخار فجيلا
نسلوك فحلا عن فحول قدموا
أبدا شهيد كرامة وقتيلا )
نجد في هذه الأبيات التي شكلت إفتتاحية بارعة تبعث على الاعجاب ، أن الشاعر منذ البداية يفصح عن الغرض الذي كتب القصيدة من أجله
، ورغم استقلال كل بيت بمعناه ، إلا أننا نجد الترابط المنطقي ، ونمو الفكرة ،ووضوح الصورة ،كلما تقدم الشاعر في قصيدته ، فترى ترابط الأفكار واضحا ، بل ان المعنى في البيت المتقدم يحمل بذور المعنى في البيت التالي وبذلك يعطي القارئ والسامع المتعة والدهشة والتحفز لتوقع البيت اللاحق ، كما في الترابط بين البيتين الأول والثاني . وكذلك الترابط بين الأبيات من الثالث الى الخامس ، وهذا ما فشل في إنجازه حسن مغازي ، فقد استهل القصيدة بمطلع لا معنى له تماما، ولا معنى لوجوده في قصيدة تتكلم عن تهنئة بعيد ميلاد رئيس البلاد، بل نجد الفشل في اختيار المفردات الصالحة لأن تكون جزءا من قصيدة شعر، هذا مع وجود الأخطاء في علاقات الجمل وعدم ترابطها مع بعضها البعض ، وهذا ما أشرت إليه في مقدمة المقالة حول الاضطرابات الذهنية التي تنعكس أعراض وعلامات مرضية في اللغة وكيفية التعامل معها.
وهذا يسري في كل أبيات القصيدة وبلا استثناء مما يشكل مؤشرا خطيرا يستحق الوقوف عليه ودراسته لفهم ما يجري ومعرفة أسبابه ،
الأمر الثاني الذي يلاحظه كل قارئ لديه إلمام بالشعر وبأساليب النظم ، أن الدكتور حسن مغازي فشل فشلا ذريعا في تقديم قصيدة ذات مفردات شعرية متميزة، بل تكاد تخلو القصيدة من المفردات الشعرية ، مما ذكره الدكتور من أن قوام الشعر هو رصانة المعجم وأصالة المفردة اللغوية الشعرية التي يجب أن ترتفع عن كلام الدهماء وكلام الغوغاء وما تعود عليه العامة من سوقي الألفاظ والعامي من أساليب التعبير، والتركيب : ( بأمر من السيسي) نجده في إعلان على باب دائرة حكومية وليس في قصيدة ( شعرية ) . وتعبير ( ليس له مستقبل ) هو تعبير نجده في رسالة بعثها مدير مدرسة الى ولي أمر تلميذ بليد يخبره فيها أن ابنه ليس له مستقبل ، ، وتعبير ( صرخات ذاك البريص وا) نجده في قصة كتبها طفل في الابتدائية في درس الانشاء والتعبير ،
والتعبير ( من دون مصر يفقد الكون أفقه ) هذا تعبير يمكن ان تجده في صحيفة محلية يرأس تحريرها فلاح تخرج من مدارس محو الأمية وتعليم الكبار . وتعبير ( قد ضل من عاداك وانهار نجمه ) هو تعبير تجده عند المنجمين وأصحاب الطالع وقراءة المندل . وتعبير( في كل أنحاء البلاد ) تعبير يتكرر في النشرات الجوية وحالات الطقس ، ومثل هذه المفردات الموغلة في عاميتها يجب أن لا يكون لها مكان في لغة الشعر التي تحلق عاليا في عالم البديع والبيان والبلاغة ، وألفاظ مثل ( وتاريخه فوضى ، يفقد القوى ، حشرات مجهدات ، تسليح الجند ، يعترف الأديان ، في الحاضر انشوى ، في النمو على السواء، في كل أنحاء البلاد ،الطاقة العليا النظيفة،غاز الخير، في الزرع صوبات ، في القلب خشيات ، و ينمو اقتصاد الدولة ، مشير فريق يصدر الأمر للوا ، بلا فوا ، منك انبثاق الخير ، يموء بالموا ، ينهق ندبا ) وغيرها من الالفاظ المرذولة امتلأت بها القصيدة ، وهذه الالفاظ والجمل تفتقد الحيوية والجرس الشعري ، وهي من كلام السوقة والعامة من مرتادي المقاهي العامة والأسواق وباعة الخضار من طبقات المجتمع التي لم تنل حظا من التعليم ، ولا اعرف كيف اتخذت مكانها في قصيدة يفترض بناظمها انه فارس الشعراء وشيخ النحو وموسيقار الشعر العربي وخبير البلاغة والبيان والبديع ، ولو رجعنا إلى أبيات الجواهري آنفة الذكر ،لوجدنا تحفل بالمفردات والتراكيب الشعرية الرشيقة ، مثل ( أسعف فمي ، وليس مداهنا معسولا ، أعز قبيلا ، مدرجة الفخار ، نسلوك فحلا ) فهذه التعابير تدل على تمكن وخبرة في أساليب النظم بحيث تغدو اللغة مطواعة يشكلها الشاعر كيف يريد ،
الأمر الثالث هو الغياب التام للمعاني التي تشكل روح القصيدة ، و القصيدة الخالية من المعنى والمغزى تصبح مثل هيكل مهجور موحش، وهنا يتنبه القارئ اللبيب الى الأعراض المرضية التي تدل على الاضطراب الذهني عند الناظم ، و التفكك في معاني وسياق الجمل عرض يصيب الأشخاص الذين يعانون من طيف واسع من حالات الذهان(psychosis ) والأمثلة كثيرة في هذه القصيدة و لا يخلو بيت من أبيات القصيدة من التفكك ولكني سأكتفي بذكر بعض الأمثلة تاركا البقية لفطنة القارئ اللبيب ،
(ويعترف الأديان والناس كلهم
يهودا وهندوسا وفرسا وسيخ وا)
نجد هنا التشوه في التعبير وعدم القدرة على توصيل الفكرة والفشل في صياغة جملة عربية مفيدة واحدة ،فضلا عن الخلل في فهم مدلولات الألفاظ ، فكل هذا يدل على مشكلة خطيرة في التفكير ، وإذا لم ننتبه لها نحن كوننا غير متخصصين في الطب ، فالطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والسلوك ( psychiatrist ) لا يجد صعوبة في تشخيص حالات كهذه ، نحن هنا أمام حالة اضطراب عقلي واضحة للعيان ، فلا وجود للمعنى في هذا البيت ولا وجود للفكرة أيضا ، بل لا يوجد النظام اللغوي الذي يفترض أن يكون موجودا في المفردات والجمل والعلاقات بينها،
والمثال الثاني واكتفى به عن غيره هو البيت التالي:
(حكمت بثثت الرعب في الخصم نطقه
وفي الضاد ظاء هم يقولونها انظوى)
والذي يمكن أن أقدمه الى الدكتور مغازي هو النصيحة الصادقة لمراجعة طبيب متخصص في الإضطرابات السلوكية ومهارات التواصل فعسى أن يجد عنده ما ينفعه .
الأمر الرابع هو خلو القصيدة من أية مهارات معروفة في عالم الشعر ، فالشعر بصورة خاصة والأدب عموما يحفلان بالمهارات اللغوية التي تؤدي أغراضا شتى ، وهذا الأمر غير مقتصر على اللغة العربية ، إذ إننا نجده في مختلف اللغات ،مثل الانجليزية والفرنسية والفارسية والإسبانية وغيرها ، ولكن اللغة العربية تتفوق كثيرا في هذا المجال ، وقد ألفت كتب كثيرة في هذه التي أطلق عليها الأدباء المحسنات البديعية . وكان الشاعر الأمير عبد الله بن المعتز من أوائل الذين ألفوا في هذا اللون من التأليف ، ولعل كتاب أنوار الربيع في أنواع البديع يعد أوسع مؤلف في هذا الفن ويأتي بعده كتاب خزانة الأدب لابن حجة الحموي، وهذا الميراث الضخم والمتنوع ، لا نجد له أثرا في ما نظمه شيخ النحو هذا ، بل تجد التعابير المتهافتة من قبيل ( وفي الحاضر انشوى ، فريق يصدر الأمر للوا ،يموء بالموا ، ينهق ، صراخ الخصم ندبا بيا و وا ، بلا فوا ) وما شابهها من كلام ساقط متهافت يدل على خلو ذهن صاحبه من أية مهارات بلاغية ، بل يخيل إلي أن الدكتور لم يقرأ في حياته شعرا يتعدى ما قد أخذه في كتاب المطالعة في التوجيهي ، .
بالمقابل لو طالعنا ما أنشده الجواهري في ميلاد الحسين بن طلال ملك الأردن نجده حافلا بفنون البلاغة والبيان والبديع ونكتفي بالبيتين التاليين :
(لله درك من مهيب وادع
نسر يطارحه الحمام هديلا
يدني القريب إلى البعيد سماحة
ويقرب الميؤوس والمأمولا )
ففي بيتين فقط نرى الجواهري استخدم الطباق بين ( النسر / الحمام ) ، و ( المهيب / الوادع )
( القريب / البعيد ) ، و( الميؤوس / المأمول ) ،
وإذن فنحن أمام قصيدة هي في الحقيقة نموذجا للتدهور وعدم الأهلية العلمية والأدبية وفقدان الموهبة تماما ، وفي المقابل نجد هذه الشخصية الباهتة تهاجم بكل قوة وشراسة كبار شعراء العرب شعراء العصر الحديث ومن رواد الشعر الحديث ، بل لم يسلم من هجومه حتى الشعراء الذين يمثلون القصيدة الكلاسيكية الحديثة ، بمظهرها الجديد من شعراء كبار في وطننا العربي الكبير .
وختاما أرفق نص قصيدة مغازي في جزءها الثالث ويليه قصيدة الجواهري في تهنئة ملك الأردن الحسين بن طلال بمناسبة عيد ميلاده
******************
قصيدة حسن مغازي
( وهذا هو الثلث الثالث والأخير من واوية حسن مغازي في تهنئة الرئيس السيسي في ذكرى ميلاده
(على نغم الطويل)هنا الثلث الثالث من(واوية المغازى)فى تهنئة(الأحرار)أبناء(أم الدنيا)فى احتفالنا بـ(عيد ميلاد)الرئيس الملهم(عبد الفتاح السيسي)، أنشدتها منذ أسبوع فى(المعهد العالى للدراسات النوعية)بدعوة كريمة من صديقى الأصيل الكريم سعادة الدكتور( Dr-Ahmed Sameer)، وقد أحسن استقبالنا هناك سعادة الدكتورة( @Moshira El Batran)؛ رئيس قسم الاقتصاد، وسعادة الدكتور(خالد)، د. كريمة، د. رزق، د. حنان، د. محمود رمضان، د. أحمد صلاح، ولفيف من الزملاء أعضاء هيئة التدريس. .
وهى على(فن اللزوميات)فى قرض شعر العربية، وهو مقصور على(فرسان الشعراء)؛ الشاعر فيه فارس لا يكتفى بترويض الفرس فى الطريق المعبّد، لا يكتفى بما يلزم الشاعر من(أنغام الشعر العربى)، إنما يسمو إلى ترويض الفرس فى القُنن والهضاب، يلزم نفسه بما لا يلزمه به القريض؛ تلك سمة اقتدار، لله در أبى العلاء المعرى الحورانى الشآمى فى نشره ذلك الفن.
قبل الروى(الواو)، التزمنا فى ثلثها ترتيبا(ألفبائيا)، وهو الذى استوردناه قبل الإسلام من(السريانية)؛ خالة العربية فى(شجرة اللغات)، ثلاثين بيتا، والتزمنا أيضا فتح ذلك الترتيب؛ والتزمنا فى ثلثها الثانى ترتيبا(أبجديا)قبل الروى، وهو الذى استوردناه قبل الإسلام من(العبرانية)؛ ابنة خالة العربية فى(شجرة اللغات)، وفى ثلثها الثالث(هنا الآن)نلتزم ترتيبا(صوتيا)قبل الروى؛ ثلاثين بيتا، ومن أسف غالبية عظمى منا لا يعرفون ترتيب أصوات العربية(الثمانية والعشرين)على ذلك(الترتيب الصوتى)رغم أنه هو الوحيد الذى أنشأه للعربية عبقريها الفذ(الفراهيدى)فى منتصف القرن الثانى الهجرى حسب ترتيب أعضاء جهاز النطق كما خلقها ربنا فى الإنسان من عند(الحجاب الحجاز حتى الشفتين مرورا بالرئتين والشعبتين والقصبة والحنجرة واللهاة ولسان المزمار والأحبال الصوتية، والفكين واللسان والأضراس والأنياب والأسنان، ولكل عضو منها عدد من تلك الأصوات يخرجها؛ هكذا رتبها(الخليل):
ع، ح، هـ، خ، غ، ق، ك، ج، ش، ض، ص، س، ز، ط، ت، د، ظ، ذ، ث، ر، ل، ن، ف، ب، م، و، ، ا، ى.
بسيناءَ ذاتِ الطورِ(موسى)قد انتوَى
طهورا بفعل الجيش ذا خصمُها ارعوَى
بأمرٍ من السيسى وفِكْرٍ مدققٍ
وتسليحِ خيرِ الجندِ للخير قد حَوَى
تجلَّى الإلهُ الحقُّ فوقَ جبالِنا
وأقسمَ بالطُّورِ المقدّسِ يا هَوَى
ويعترف الأديانُ والناسُ كُلُّهُمْ
يهودًا وهندوسًا وفُرْسًا وسيخَ وا
ثَرَى مِصرَ مِعراجٌ وفوقَ سمائِها
بوحْىٍ رسولُ اللهِ ما ضَلَّ ما غَوَى
ومن دون مصرٍ يفقدُ الكونُ أُفْقَهُ
بلا بوصلاتٍ فى الهُدَى يفقِدُ القوَى
وخصمُكَ يا سيسى يحارُ بلا هُدًى
وقد خار ضَعْفًا فى اقتصادٍ قد انكوَى
وأنتَ الذى تعلو وتسمو مُشَرِّقًا
وفى الغَربِ أنتَ القلبُ أنتَ لنا الجوَى
وقد ضَلَّ مَن عاداك وانهار نَجْمُهُ
وتاريخُهُ فَوْضَى وفى الحاضر انشوَى
وليس له مستقبلٌ قد أزحْتَهُ
ولما أبنْتَ الحقَّ فيهِ قد انضوَى
وهل حشَراتٌ مُجهَداتٌ تُثيرُنا
وماذا سوى صرْخاتِ ذاك البُريصِ(وا)
وأنتَ تُنَمِّى القُطْرَ طُولًا وعُرْضَهُ
شَمالًا جنوبًا فى النُّمُوِّ على السَّوا
وفى كُلِّ أنحاءِ البلادِ نُموُّها
وفِعلُكَ بالعلمِ استقام وما زوَى
وفى الطاقةِ العُليا النظيفةِ سابقٌ
وتَفْغَرُّ أفواهٌ وأنتَ الذى طَوَى
ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْرِ الكنانةِ لحظةٌ
فإن الفؤادَ اغتمَّ منهُ قد اكتوَى
وفى البحرِ غازُ الخيرِ فى البَرِّ طاقةٌ
وفى الزرعِ صَوْباتٌ وفى الطبِّ والدوا
حكَمْتَ بَثَثْتَ الرُّعبَ فى الخصمِ نطقِهِ
وفى الضادِ ظاءٌ هم يقولونها(انظوَى)
وفى القلبِ خَشياتٌ وفى الرأسِ مثلُها
وفى الجسم هِزّاتٌ بها العُودِ قد ذَوَى
وينمو اقتصادُ الدولةِ الرأىُ راجِحٌ
وعنكَ سياساتٌ بها الخيرُ قد ثوَى
هنا خيرُ أقطارِ البلادِ جميعِها
هنا حاكمٌ أرسَى وكُلٌّ له روَى
هنا جيشُ أُمِّ الأرضِ فيهِ قِيادةٌ
مشيرٌ فريقٌ يُصدِرُ الأمرَ للِّوا
وتَقصِمُ أعداءً وتُحْيى أحِبَّةً
كأنك تَمرٌ بابلىٌّ بلا نوَى
وتبتهجُ الدنيا بميلادِكَ الرِّضا
بِوِديانِ خَيرِ العالمينَ بلا فَوا
وعنكَ انبثاقُ الخيرِ يا خَيرَ حاكمٍ
ومنكَ صُراخُ الخصمِ نَدْبًا بـ(يا)بـ(وا)
بليبيا وإثيوبْيا وفى غازِ ظُهْرِنا
يَموءُ من الخطِّ الأحيمرِ بالموا
بسلسلةٍ شَكْمُ اللجامِ وحَكمةٍ
ويَنهَقُ نَدْبًا كُلُّ خصمٍ بـ(يا)، و(وا)
فيا قُدْسَ أقداسِ الكنانةِ هل أتَى
الكنانةَ أزْماتٌ وفيها نداىَ وا
★★★★★★★
قصيدة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري التي ألقاها أمام الملك الاردني الحسين بن طلال مهنئا له بعيد ميلاده :
( يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُــولا
في عيدِ مولدِكَ الجميلِ جميلا
أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُـرّاً ناطِفَـاً
عَسَلاً، وليسَ مُدَاهِنَاً مَعْسُولا
يا أيّـها المَلِـكُ الأَجَلُّ مكانـةً
بين الملوكِ، ويا أَعَزُّ قَبِيلا
يا ابنَ الهواشِمِ من قُرَيشٍ أَسْلَفُـوا
جِيلاً بِمَدْرَجَةِ الفَخَارِ، فَجِيلا
نَسَلُوكَ فَحْلاً عَنْ فُحُـولٍ قَدَّمـوا
أ بَدَاً شَهِيدَ كَرَامَةٍ وقَتِيلا
للهِ دَرُّكَ من مَهِيـبٍ وَادِعٍ
نَسْرٍ يُطَارِحُهُ الحَمَامُ هَدِيلا
يُدْنِي البعيدَ إلى القريبِ سَمَاحَـةً
ويُؤلِّفُ الميئوسَ والمأمُولا
يا مُلْهَمَاً جَابَ الحيـاةَ مُسَائِـلاً
عَنْها، وعَمَّا أَلْهَمَتْ مَسْؤُولا
يُهْدِيهِ ضَوْءُ العبقـريِّ كأنَّــهُ
يَسْتَلُّ منها سِرَّهَا المجهـولا
يَرْقَى الجبالَ مَصَاعِبَاً تَرْقَـى بـهِ
ويَعَافُ للمُتَحَدِّرينَ سُهولا
ويُقَلِّبُ الدُّنيا الغَـرُورَ فلا يَرَى
فيها الذي يُجْدِي الغُرُورَ فَتِيلا
يا مُبْرِئَ العِلَلَ الجِسَـامَ بطِبّـهِ
تَأْبَى المروءةُ أنْ تَكُونَ عَلِيلا
أنا في صَمِيمِ الضَّارِعيـنَ لربِّـهِمْ
ألاّ يُرِيكَ كَرِيهةً، وجَفِيلا
والضَّارِعَاتُ مَعِي، مَصَائِرُ أُمَّـةٍ
ألاّ يَعُودَ بها العَزِيزُ ذَلِيلا
فلقد أَنَرْتَ طريقَهَا وضَرَبْتَـهُ
مَثَلاً شَرُودَاً يُرْشِدُ الضلِّيلا
وأَشَعْتَ فيها الرأيَ لا مُتَهَيِّبَـاً
حَرَجَاً، ولا مُتَرَجِّيَاً تَهْلِيلا
يا سَيِّدي ومِنَ الضَّمِيـرِ رِسَالَـةٌ
يَمْشِي إليكَ بها الضَّمِيرُ عَجُولا
حُجَـجٌ مَضَتْ، وأُعِيدُهُ في هَاشِمٍ
قَوْلاً نَبِيلاً، يَسْتَمِيحُ نَبِيلا
يا ابنَ الذينَ تَنَزَّلَتْ بِبُيُوتِـهِمْ
سوَرُ الكِتَابِ، ورُتّلَتْ تَرْتِيلا
الحَامِلِينَ مِنَ الأَمَانَةِ ثِقْلَـهَـا
لا مُصْعِرِينَ ولا أَصَاغِرَ مِيلا
والطَّامِسِينَ من الجهالَـةِ غَيْهَبَـاً
والمُطْلِعِينَ مِنَ النُّهَـى قِنْدِيلا
والجَاعِلينَ بُيوتَـهُمْ وقُبورَهُـمْ
للسَّائِلينَ عَنِ الكِـرَامِ دِلِيلا
شَدَّتْ عُرُوقَكَ من كَرَائِمِ هاشِـمٍ
بِيضٌ نَمَيْنَ خَديجـةً وبَتُولا
وحَنَتْ عَلَيْكَ من الجُدُودِ ذُؤابَـةٌ
رَعَتِ الحُسَيْنَ وجَعْفَراً وعَقِيلا
هذي قُبُورُ بَنِي أَبِيكَ ودُورُهُـمْ
يَمْلأنَ عرْضَاً في الحِجَازِ وطُولا
مَا كَانَ حَـجُّ الشَّافِعِيـنَ إليهِمُ
في المَشْرِقَيْنِ طَفَالَـةً وفُضُولا
حُبُّ الأُلَى سَكَنُوا الدِّيَـارَ يَشُـفُّهُمْ
فَيُعَاوِدُونَ طُلُولَها تَقْبِيلا
يا ابنَ النَبِيّ، وللمُلُـوكِ رِسَالَـةٌ،
مَنْ حَقَّهَا بالعَدْلِ كَانَ رَسُولا
قَسَمَاً بِمَنْ أَوْلاكَ أوْفَـى نِعْمَـةٍ
مِنْ شَعْبِكَ التَّمْجِيدَ والتأهِيلا
أَني شَفَيْتُ بِقُرْبِ مَجْدِكَ سَاعَـةً
من لَهْفَةِ القَلْبِ المَشُوقِ غَلِيلا
وأَبَيْتَ شَأْنَ ذَوِيـكَ إلاّ مِنَّـةً
لَيْسَتْ تُبَارِحُ رَبْعَكَ المَأْهُولا
فوَسَمْتَني شَرَفَاً وكَيْـدَ حَوَاسِـدٍ
بِهِمَا أَعَزَّ الفَاضِـلُ المَفْضُولا
ولسوفَ تَعْرِفُ بعـدَها يا سيّـدي
أَنِّي أُجَازِي بالجَمِيلِ جَمِيلا
*******"*********
فخري محفوظ / كاتب عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق