الأحد، 23 يناير 2022

 ................

عمر أحمد العلوش

...........



((العودة للجنة ))
أراد العودة لبلدته عودة أبدية ، كان جسده متهالكاً مرمياً خلف مقود السيارة وحيداً ، تاركاً الجميع خلفه ، روحه تنشد ذلك النور المنبثق من وجه ذلك الجمال المطلق .
تنتابه حالة من الخدر تدب بأوصاله وكل أرجائه ، ترك جسده للعبث ، عبث بلا رقيب منه ، ليرقب طريق البلدة المسطح كراحة اليد ، طريق يمتد وسط حقول القمح ، بلدته كلها حياة ، كلها عطر والوان واغنيات ، بلدته حلم غزلته فتاة بكر ، وفراشة سكرى ، وعصافير لاهية ، ونغمة مطلقة ، وموعد عند المساء ملأ الحياة همسات ووشوشات .
انتابته رغبة بالبكاء فمنذ سنين ما اشتم عليل هواها ، ولاتعطرت قدماه بعبير ترابها ، تراب كم من مرة كان تواقاً لو تمرغ به كطفل مشاكس أو حَملٍ يقفز من غير وعي يدعي السقوط ليعود لقفزاته المبتهجة .
السيارة بدأت تنهب الطريق نهبا وكأن روح الشوق قد دبت بأوصالها ، فكل شيئ اصبح بمشاعر وشجن وحنين .
الروح ملئت بأنات الحنين لتصعد خواطر المهجة حناناً بالعودة للمكان الذي انسلخت عنه تلك الروح إنها قصةأشجان لا بد ان تتوج بالعودة
،وتتحرر تلك الروح من قيدها في ذلك الجسد وتُحلق بجمالها
و تسبح بالأفق الفسيح وتشتحم رائحة الحنين للجنة .
ترك خلفه المدينة بضجيجها وصخبها ، وعناء التعامل القاسي المر ، ترك خلفه دخانها الذي ضاق صدره منه وبه ، ترك العبث الذي أفقده الكثير من مشاعره .
المدينة ببريقها...وبأضوائها إقتلعته من بلدته الطيبة وأهلها الأكثر طيبة ، مازالت سيارته تشق الرياح ....صوت الرياح من النافذة بجواره كانها تمزق عمراً من الوجع ، وتنتف أوراق زمن من شوق .
بدأ يلوم كل ما أبعده عن بلدته حتى جلد نفسه بلا رحمة ،اختلطت لديه المفاهيم والمعايير والقيم .... فقط يريد ان يصل هناك .... ، في تلك اللحظةانقطعت كل هذه الأفكار والمشاعر والاحاسيس حالة من عدم القدرة على السيطرة على أي من
أعضائه .
هو في غيبوبة ، يصحو بعد حين ، وهو ببلدته ، مُسجى هناك على سرير سندياني
و صورة وجه أبيه المتوفى منذ عقود تعانق وجهه ينبعث منها ابتسامة رضى وقبول واشراق جمال من نور ، وكأن أبيه عاد للحياة ، او انه به إلتحق ، وكله يقيناً ان جمال أنوار الأرواح لايفنى ولا يموت .
بقلمي : عمر أحمد العلوش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق