الجمعة، 17 ديسمبر 2021

 .................

نظير راجي الحاج

..............



( أعرفكم بنفسي )
_____________________________
الكل يعرف ان اسمي هو(نظير)، صحيح، ولكن هذا الاسم تغير أكثر من مرة.
عند ولادتي، أسموني عمرو، ثم تحولت الى عمر، واخيرا وانا في سن العاشرة، أخذت أتمرد على الاسم، وبعنف، حتى إضطر والدي أن يذهب الى محكمة الاحوال المدنية في مدينتي نابلس لتغيير اسمي، ورغم ان شروط تغيير الاسم كانت.. ان يكون الاسم مشينا، أو يخالف النظام العام والادب
أو يؤدي الى سخرية الناس منه، وكل هذه الشروط لم تكن بالاسم، بل الاسم جميل (عمر) الا ان والدي أقنع أعضاء المحكمة أنني اكره اسمي. وانني أهدد بالإنتحار إذا لم أغيره.
لهذا رضخت اللجنة وقاموا بتغيير اسمي الى نظير.
ما القصة إذن؟
نقطة ومن أول السطر.
سمعتُ أن والدي كان وحيداً لوالديه، وجدي توفي بعد أن ولد أبي بشهور.
كبر أبي وتزوج، وكان يتمنى أن يرزقه الله بدستة أولاد، وأن يسمي إبنه البكر باسم عمر، على أسم والده.
لقد تأخرت أمي بالإنجاب، وكم هدد أهل والدي أمي، بأنها إن لم تنجب، سيزوجوا أبي.
لقد ذهبت والدتي إلى العرافات والمشعوذات، دون جدوى، ثم ذهبت عند طبيب بروفوسور، حيث اعطاها أدوية تعالج إضطرابات الإباضة والخلل في الهرمونات، وبقيت تنتظم على العلاج، حتى حملت بي.
خبر حملها، كان خبرا مدويا للكل، فرحة عارمة للاسرة والاقارب وحتى اهل القرية.
عندما أخبر الطبيب والدي ووالدتي بالخبر، لم يكن قد تبين معه أن في بطن أمي توأم.
في الاسبوع السابع عشر بدات أحس بأخي التوأم، ونزل قبلي الى تجويف الحوض.
ما ان إقترب موعد ولادة أمي بي، وبأخي التوأم، وقبل نزولنا للدنيا، حتى حدث صراع بيني وبين أخي، حتى ونحن أجنة
حيث دفعني للخلف، واتجه للخروج من بطن أمي.
كنت أستمع إلى والدتي والقابلة(الداية) وخالتي، وهن يزغردن وترش خالتي( الملبس المخشرم) وراحة الحلقوم.
وتقول خالتي:_جاء الملك..
جاء ولي العهد.. جاء السند.. إنه ذكر، ذكر، إنه (عمر).
هكذا فارقني أخي، بعد خلوتنا تسع شهور معا، في بطن الوالدة.
أخذت أنا أصرخ بالداخل:_أنا هنا.. أنا موجود. لكن صرخاتي لم تتعدى جدار الرحم، وفجأة صرخت الداية:_هناك مولودا آخر، إنه توأم عمر.
دمعة نزلت مني، قبل نزولي للأرض، لما لم أسمع أي ترحيب بي.
لا زغاريد، لا ترحيب، وكما تقول الاغنية العراقية..
لا خبر.. لا كفية، لا حامض حلو، لا شربة.
راجعت أمي الطبيب، والذي أخبرها أن التوأم متطابق، حيث البويضة المخصبة انقسمت الى قسمين، مما تكون جنينين منفصلين، ويحمل كل واحد، مادة وراثية متطابقة.
لهذا كان الشبه بيني وبين اخي متطابق، حتى راحت امي ونحن بالرضاعة، تلبسنا ملابس مختلفة، لتفرقنا عن بعض.
عشت طفولة مهمشة، كل العطايا والعطف لأخي عمر، لانه الكبير.
كبرنا ودخلنا الصف، كانت والدتي تضع أزرار القميص لاخي خضراء، وأنا سوداء.
حتى يفرق المعلم بيننا،فكان يقول:_عمر يا اخضر..
عمرو يا اسود، ولما أغلط في حل مسالة، يقول المعلم:_يا عمرو يا اسود، سوّد الله وجهك.
أخذت أغار من أخي، فقررت ان انافسه، فلما نريد ان نخرج، أسرع بالخروج قبله، وعندما نأكل، ابدا قبله، وأنهي قبله حتى لو كنت جائعا.
لقد علمت امي انني انا اقوم بالاول قبله بكل شيء، الصحو من النوم، ، واللبس والخروج، وهكذا.
في احد الايام، وكنت بالصف الثاني، وكنت استرق السمع
لحديث أمي لجاراتنا، لما سألن عني وعن أخي، أخذت تكيل المديح لاخي عمر، بانه جدع، وشاطر وفهلوي، ولما سالوها وكيف عمرو؟
قالت باستهزاء وحسرة :_أن الواو في آخر اسمه تؤخره.
انه متاخر بالذكاء، لكنه قرد يسبق اخيه بالعفرتة والقدوم والخروج من البيت.
في الصف الرابع، وكنت انا واخي عمر قد سجلنا في كشافة المدرسة، وكان يوم عطلة، والمفروض ان نذهب معا للمدرسة
إضطررنا ان نلبس الزي الموحد للكشافة، قميص له أهداب على الكتفين، ولونه ازرق سماوي، وسروال من نفس اللون
ومنديل حول الرقبة لونه أحمر.
كنت كالعادة أنوي الخروج من البيت قبل عمر، فاكتشفت بآخر لحظة انني البس جوارب عادية، والمفروض ان البس جوارب بيضاء، وهي لباس الكشافة يومها.
هنا ضجر اخي عمر من انتظاري، وقال:_سأسبقك، كان اول مرة يسبقني للخارج.
كانت امي تقف في غرفتها عند النافذة المطلة عالشارع، تنتظر ركوبنا الحافلة، لتشوح بيدها لنا. سمعت انا صوت فرامل قوية من سيارة مسرعة، ثم خرجت امي بسرعة من غرفتها ومرت علي وهي تصرخ:_الحقني يا عمر، اخوك عمرو دهسته سيارة.
لقد اعتقدت امي ان من دهس هو انا(عمرو) لانها تعودت انني من يخرج دوما بالاول.
وجدنا اخي عمر قد فارق الحياة. ولاول مرة اسمع كلمة حبيبي، وهي تصرخ حبيبي يا عمرو،بعد موتي الوهمي.
الله يرحم اخي عمر، الكل اعتقد ان من مات هو عمرو، اي انا
قررت ان انتحل اسم اخي عمر، وقررت ان ادفن اسم عمرو
وذلك لأنال حنان امي، والمعاملة الطيبة من الاهل والاقارب.
لبست قناع عمر، وقتلت عمرو في داخلي.
الآن البس قناع نظير..
اليوم نظرت للمرآة، قالت لي:_
لقد ضجرت منك، كفاية لبس أقنعة.
قلت لها:_
حاولت ازيح قناع وجهي، لكني رايت الشارع وقد ضج بالمسوخ.
يا الهي، ليت قلوبنا مثل وجوهنا، الكل يراها.
__
هلوسات..
نظير راجي الحاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق