الخميس، 28 أكتوبر 2021

 ...............

أحمد علي صدقي/المغرب

..................



الانسان بقيمة أفكاره.
ليست كثرة الأفكار المخزنة في الأذهان هي التي تجعل الناس تحكم على إنسان ما، أنه مثقف، أو متحضر، ولكن ما فَعَّله منها على أرض الواقع هو فقط من يجعلهم يعترفون بثقافته و يمنحون له رتبة من الثقافة و من التقدم بينهم. فتراسب الأفكار بالأذهان لا تتحول الى سلوكيات ترفع من قيمة صاحبها وتؤثر في من حوله، فوجودها كعدمه.
إذا كان إنسان ما، مثقفا و تراه لا يعطي قيمة لذاته، بل يجرها جرا في أوحال الخنوع لغيره واكراهها على عبودية من جعل منهم، من البشر، أسيادا له، فاعلم أنه، مها قرأ من الكتب ومهما حمل من الشهادات ومهما اقتنى وحمل وتحمل من أفكار فهو جاهل ويجهل أنه جاهل. إذا تغدى عقل إنسان بأفكار تلقاها من كتب أو من أفواه أساتذة و لم تغيره ليعطي قيمة لما يحمله منها بداخله فهو ما أدرك قيمة ما يحمله ولن يعطيه أحد هذه القيمة؟ إن لم يشعر انسان ما بما بداخله من ثقافة ويعطيها قيمتها و يعزز، ويكرم، ويرفع، ويثمن ذاته بها، ويحس أن هذه الثقافة قد أنالته حظا وافرا من الأخلاق يتواصل ويتعامل بها، فما يحمله من هذه المعرفة إنما هي كأسفار فوق ظهر حمار..
قيمة ذات الإنسان تكون بالافتخار بها و باستثمار ما تحمله من أفكار مصدرها الأول هو ذاك الانسان الحامل لها..
كن أنت، أنت، أيها الانسان، ولا تخنع لأحد ولا تشوه أفكارك وتمزجها بأفكار سلبية زرعت فيك و ليست لك. أفكار ربما أرغمتك الظروف على اقتباسها أو امتلكتها من محيط أكرهك على التعامل بها، أفكار تكون استحوذت عليك رغما عنك لدرجة أنك آمنت بها حتى اعتنقتها فأصبحت تظن أنها أفكارك. لا تسقط في هذا المنزلق فيجرك الى واد يصب في بحر العبودية والخنوع و اللا شخصية واللا انسانية. لا تقارن أفكارك بأفكار من حولك فتقلل من قيمة ذاتك فترى نفسك أنك لا شيئ أمام من يرغمك على الخضوع لقوة أفكاره. تشبت بأفكارك الخاصة بك التي تدور بخلدك و استوعبها جيدا و نميها قبل أن تظهرها للآخرين أو توصلها لهم للتأثير عليهم ولكي تكون أنت المؤثر ولست المتأثر. لكي ترى مفعولها إن كنت فعلا تريد منها التأثير على من حولك. عندئذ انزلها للواقع وأنت متيقن أنك مؤمن بها وليس بغيرها، فستراها حينها مجسمة أمامك مؤثرة في سلوكيات الآخرين. بهذا فقط تكون قد فعَّلتَ أفكارك وأخرجتها من خزانة ذهنك للوجود. فهذه الأفكار فقط من بين ما تملكه هي التي تكون قد ولدت لتعيش.. لأن لا فائدة لأفكار تترك مخزنة في ذهن ولا تفَعَّل كأموال بَخِيل بصندوق محكم الاغلاق. دعني أقول لك أيضا، لا تسلم أفكارك لمن هب وذب، فستكون كمن زرع نبتة بصحراء قاحلة فلن تنمو ولن تثمر.. أفكارك، لكي تنفع بها نفسك ومجتمعك، عليك أن تعرف لمن تبثها. فأفكار تُعْطَى لغير من لا يُفَعِّلها فهي ايضا أفكار لا قيمة لها، لأن من منحتها له لا قدرة له على تفعيلها فسيجمدها في ذهنه وتبقى أيضا أفكارا مخزنة في أذهان قد نسج فيه الجهل بيته إذ ستخنق وتموت فتكون عقيمة لا فائدة ترجى منها..
المفكر اليقظ و المقتدر هو ذاك الذي يبث أفكاره في تربة خصبة تجد هناك من يعتني بها ومن يجني ثمارها ويُفَعِّل طاقتها و من يعمل بمقتضاها ومن تحرك فيه احساسا بأنها فعلا تصلح له ولغيره وتهمه وتهم غيره...
أحمد علي صدقي/المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق