..................
نادية التومي
................
قصة من صميم الواقع
الجزءالثامن
فرح كل اهل جاهدة برجعة نديم للوطن، فبعده وهجرانه على عائلته أثر على الجميع الذي كانوا يتألمون عندما ينظرون لجاهدة كيف تتعذب وتذوب مثل الشمع بعدما كانت زهرة العائلة وكانت ضحكتها لا تفارق محياها. اتفق الجميع ان في المساء سيقصدون بيت جاهدة. في الاثناء ذهب نديم لبيت اهله ليسلم عليهم، استقبلته امه واخواته البنات غاضبين لرجوعه، وانبته لترك مدينة النور باريس والعودة لتونس من اجل زوجته وبناته وطبعا لم يتركوا أي شتيمة ولم يتفوه بها على جاهدة. وسألته كيف يترك اخته وحدها ويأتي تناسوا انه هو بنفسه ترك عائلته وحدها وسفر. كل مرة يهم نديم بالخروج تمنعه امه وتقول له انها لم تشبع من رؤياه. حل المساء وجاء عبد المجيد محملا كعادته بما لذا وطاب من مرطبات وغلال ولحوم وقدم معه ابنه وزوجته، ثم لاحق بهم اختها وزوجها وأخواتها الكبيرين وزوجاتهم، طبخت ناجية العشاء، وانتظر الجميع قدوم نديم، كل طرق باب يقولون ان نديم اتى، مرت الساعات وحل الليل ونديم لم يأتي، ذهبت جاهدة لبيت الجيران لتهاتفه ببيت اهله، رن جرس الهاتف وردت اخته لما سمعت صوتها علقت السماعة، عاودت الاتصال عديدة المرات. في المرة الرابعة جاوبتها أمه بغضب شديد، وقالت لها: الا تخجلي من نفسك الرجل لا يريدك وانت ترتمينا عليه، بهتت جاهدة مما سمعت وطلبت ان تمرر لها نديم. قالت لها رقية ان نديم غير موجود وهو سيرجع الى فرنسا. ثارت جاهدة وقالت: انه عيب ما تفعلينه في حقي وحق بناتي اتركي نديم يربي بناته. أقفلت رقية السماعة في وجه جاهدة. عادت الى البيت وهي حائرة كيف ستخبر الجميع بما حصل. دخلت للبيت والجميع ينتظر على طاولة الطعام، لم تستطع جاهدة التفوه باي كلمة واكتفت بقولها ان بيت حماتها يعج بالضيوف أتوا يسلموا على نديم، سكت الجميع وعرفوا من ملامح وجه اختهم انها لا تقول الحقيقة، وان نديم لا يتغير. عاد الجميع الى بيته وبكت جاهدة بحرقة وروت لأمها ما حدث، تنهدت الأم وقالت لها للصباح عيون وقتها سنعرف ماذا سنفعل. كانت جاهدة كل الليل تتقلب في الفراش ذات اليمين والشمال حتى بدا الفجر يطلع نهضت ترضع ابنتها الرضيعة وتغير بللها، انتظرت ساعات حتى طلوع النهار لم تطيق صبرا تركت بناتها عند امهم وقصدت بيت رقية. طرقت الباب ودخلت مسرعة مثل المجنونة باحثة على نديم وقفت امامها رقية لتعرقلها، ولكنها وصلت بدون ان تعرها اهتمام. وجدت نديم مستغرق في نومه بين اخواته البنات. صاحت عليه وقالت له: تنام اليس لديك بيت وزوجة وبنات؟
نظر نديم وهو يفرك عينيه وقال لها: كيف تسمحينا لنفسك وتقيضين من النوم؟ ودفرها برجله اين جاءت مفروشة على الأرض. بكت جاهدة وصرخت من قوة الركلة، قام نديم من فراشه ليس ليرفع زوجته من الأرض بل ليضربها ويجرها من شعرها نحو الباب. كانت رقية تبتسم وتفتخر بابنها الذي سمع كلامها والتي قبعت ليلة كاملة وهي تفتنه على جاهدة وتشحنه عليها وبما انه ضعيف الشخصية طبق كل ما قلته.
حملت جاهدة نفسها وهي تبكي وتتوعد نديم لفعلته، اول ما خرجت قصدت دكان اخيها لتروي له ما حدث والذي غضب من فعل نديم، وكلم بدوره اخوه الأكبر نور الدين في العمل وحدثه ما جرى لجاهدة، قال له لا تفعل شيء حتى اتي في المساء ونرى ما سنفعل. في المساء قرر الأخوين الذهاب لبيت اهل نديم من الأول لم يخرج لهم نديم ويستقبلهم اكتفت رقية بمواجهتهم وبنعت اختهم بأبشع النعوت، شاط نور الدين وقال لها انه لا يناقش النساء، وطلب ان يخرج ابنها حالا او زوجها، وكان الصياح من الطرفين في الأخير خرج نديم وهو يثائب ويتكاسل من نومه، تهجم عليه يوسف وبدا يضربه، وبدأت نسوة البيت تصيح، فرقهم نور الدين على بعض وامر أخيه ان يخرج وينتظره الى حد يجد حل مع نديم. سمع يوسف كلام أخيه الذي يحترمه ويخاف منه فهو رجل مواقف. طلب نور الدين من نديم ان يتحدث على انفراد، ذهب الى الفناء الخلفي للمنزل ليتحدث على راحتهم، لكن كانت رقية في الاثناء تسرق السمع من أحد نوافذ الغرف. طلب نور الدين من نديم ان يقرر ان كان سيواصل حياته مع اخته او سيختار الطلاق، كما أنبه على ما فعل بأخته من ضرب وشتم وان أبناء العائلات لا يقومون بهذا، وان جاهدة بنت عائلة ان كانت واحدة أخرى لا اشتكته للشرطة لفعلته. مهمه نديم قليلا فهو حائر في امره بين حبه لزوجته وبناته وبين رضاء امه رقية. قال له نور الدين ان كنت تريد بداية حياة جديدة فلتذهب الان معنا وسنصلح بينكما وان رفضت المحاكم بيننا وستدفع غرامة مالية لزوجتك. تجمد نديم في مكانه ولم يستطع اخذ قرار نهائيا وطلب مهلة منه. وافق نورالدين على ان لا تتجاوز الغد والا سيأخذ القانون مجراه. رجع الاخوة لبيت اختهم واعلموها بما ما حصل وطلبوا منها ان لا تقوم باي شيء دون علمهم. في السهرة جلس نديم يدخن سيجارته واحدة تلوى الأخرى مهموما لا يعرف كيف سيتصرف بين ام قالت له ان حليبها سيحرم عليه للممات وبين زوجة لم تقترف شيء الا انها احبته حب عمياء وسلمت له روحها حتى قبل الزواج بدون ان تفكر في العواقب. عاد أبو نديم عمله وسمع ما حصل صاح وماج، ثم قال له: متى تصبح رجل وتعول على نفسك، الى متى تبقى وراء كلام امك، عيب ان تتزوج ببنات الناس ولا تكون في المستوى، وما ذنب بناتك ؟ بكى نديم من كلام ابيه. حمل نفسه وخرج، بقي يمشي هائما لا يعرف اين ستحمله رجليه. وبدون ان يشعر وجد نفسه امام بيته، في الأول تردد لطرق الباب، وبعد ذلك جمع قواه وطرق بدقات خفيفة فالساعة كانت تشير للحادية عشرة ليلا خاف ان زوجته وبناته يخافوا من الطارق. من الأول لم تسمع جاهدة طرقات الباب لأنها كانت تنوم بناتها، بعد ذلك همت جاهدة بخطى ثقيلة نحو الباب. فتحت واندهشت بوجود نديم امامها وعيونه كلها دموع. جأش على الأرض وبدا يقبل يديها وطالبا العفو والسماح لما اقترفه في حقها.
بقلم نادية التومي / اوت 2021
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق