الجمعة، 2 يوليو 2021

 ................


على غالب الترهوني

...............



القصة بإختصار. ..
_____________
لم يتغير شيء. ربما أنا الذي تغيرت .لم تفاجئنا المعالم والدروب. الأشجار كما هي ظلالها صافية .الأودية المروج .مسارح مرحنا ونحن صغار ..لازلت أذكر مجلسي على ضفة الوادي أنا ورفاقي. .كنا نخطط للزمن الآتي. أحمد يريد أن يصبح أستاذا في مدرسة الخضراء وكان يتمنى أن تبقى رفيقتنا سناء في المدرسة لكي تراه وهو يمسك بالعصى والطبشور. .كانت تناديه فيجيء على الفور .أما عبدالسلام فكان يطمح أن يصبح جنديا ..يقول عن نفسه ..لا أحب الذين يموتون على الفراش .أحب فقط الذين يسعون إلى الموت .وهم واثقون من أنفسهم. .كنا أطفالا جند وشعراء ومدرسين أكفاء. .صنعتنا ظروف الأرض التى وقفنا عليها .صنعتنا هموم الناس .بصعوبة كنا نسعى وراء لقمة العيش .عندما شاهدت أول مرة سيارت تشق الدروب إلى ضيعتنا هربت .صوتها أفزعني أفزع حملاني. لكنني تمالكت نفسي كنت أنوي أن أمطرها بالحجارة .غير أن صاحبها من أهل الضيعة الذين سرقتهم مدينة الملح ..سألني بضع أسئلة أجبته عن سؤاله الأخير. ..والدي هناك ..إذهب إليه. ..تبدو معالم النعمة على محياه ويمسك بغليون في يده .عفره كان زكيا. إشتهيتها في خاطري لكنني لم أفصح. .
كانت الضفة ملتقانا نذهب لشؤوننا ونلتقي عندها لنتبادل أحاديث البادية ..كبرنا وكبر الزمن بنا ومعنا ..عرفنا الله بالفطرة .كان والدي يقول .يجب أن نخلص النية ونولي وجوهنا إلى القبلة ..والقبلة في مكة المقدسة .وهي في الحجاز .وعندما دخلنا مدرسة الخضراء .وقع بصري على المبنى الكبير الذي يتوسط الساحة .حيت الباعة. والمحال التى تستظل بالاقواس العظيمة .كانت تلك الكنيسة .وقد هالني منظر الأقواس والنوافذ المزركشه. وعلوها الشاهق .غير المسيح غادر منذ آلاف السنين. ومؤيديه كانوا هنا .يتبرعون بالخبر والحلوى علينا .كلما خرجنا من المدرسة للفسحة.
قبل عشرات السنين كانت الساحة عامرة بالخلق ..رأيت بنات الفرنجة وهن يتسابقن على دخول الكنيسة ..جميلات لا شك في ذلك يرتدين التنانير القصيرة ويلبسن القبعات السوداء التى تحجب عنهن ضؤ الشمس ..ربما تحجب عن عيونهن الحقيقة .لم استطيع الاقتراب منهن .كن يتقافزن مثل الحملان أما أنا فقد إشتهيتهن لبياض بشرتهن. رحلن الآن جميعا لكن صورة العذراء لازالت في ذهني .العذراء التي في الداخل الواقفة على الركح وهي تحمل طفلها في المهد ..والعذراء التى تنط أمامي. ..
مضى الزمن أبعد من ذلك صارت لنا لحى وشوارب. أخذتنا العولمة ونحن عميان. وجدنا أنفسنا نجوب شوارع مدينة لا تكف عن الضجيج ..إرتدنا البحر والمنتزهات والمطاعم التى تنبعث منها روائح الطعام ..والناس لا تجد حرجا في الأكل على النواصي المزدحمة ..أدركت بعدها أن رواد المدن يأكلون أشهى الطعام وعيونهم على البحر ..غير أنهم ضاعوا مع نشوب الحرب ..هدمت بيوتهم وقتل أطفالهم. .وقطعت أرزاقهم .وصار البحر الذي يمدهم بالغذاء مصدر بلاء ..أما سكان الضيعات لا يأكلون خبز الفينو ولا يدخنون الغليون. بل يذكرون الله بكل الأديان. .
وها أنا أجلس على الضفة من جديد بعد أن دمرت الحرب بيتي في المدينة ..وهجرت إلى الشرق أطلب الأمان. عدت وعادت معي ذكريات الطفولة .وكأنني لم أغادر مرتعي. ..
_________________
على غالب الترهوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق