..................
ماهر اللطيف
................
سألوني عن الأمس، فقلت "طاولة وكراسي"، فلم يفهموا قولي وواصلوا سؤالهم عن الحاضر، فقلت "كتاب وكراسي"، فزادت حيرتهم وازداد الغموض لديهم، لكنهم خيروا المواصلة فسألوني عن المستقبل، فاجبت " حصاد"، فسكتوا برهة قبل أن ينطق أحدهم بصوت مرتفع:
- بصراحة سيدي، لم نفهم شيئا ولم نجد رابطا لاجاباتك حتى نبني عليها وننطلق منها لمواصلة الحديث
فتبسمت ورتبت على كتفه وقلت بهدوء وثقة في النفس والكل متسمر في مكانه ينظر إلى وجهي و يلاحظ حركات شفتاي وحروف حلقي وهي تغادره لتبلغ مسامعهم:
- إذن فأنتم لم تتعلموا شيئا من الحياة إلى حد الآن ،ولا أقدر حينها على مسايرتكم ومواصلة الحديث معكم
- ( مخاطب ثاني مقاطعا) عفوا أستاذ، نحن تلاميذ في حضرتكم وما وجودنا هنا إلا للتعلم
- (مخاطب ثالث برقة متناهية) هذا شرف لنا أن نفك شفرات كلامكم ونفهم معانيه حتى ندرك مكامن اللغة ومصدر بلاغتها وسماحة فنونها وقوتها...
وبقوا كذلك يحاولون اقناعي بمواصلة الحديث معهم بعد أن افهمهم اجوبتي واربط بينها حتى تكون منطلقا لبقية الحوار. وكنت اتعالى واتظاهر بالشموخ والأنفة والغرور إذ اعجبني اطراءهم وشكرهم لي ناهيك وأنه لم يشكرني احد منذ مدة حتى شعرت ان قطار الزمن قد تجاوزني...
ثم ، قررت الامتثال لرغابتهم فقلت بعد أن ساد المكان الصمت :" فأما الماضي والطاولة والكراسي، فهو حقبة زمنية مرت كنا خلالها تلاميذ في أقسام الحياة نجلس على الكراسي ونسجل دروسنا وقوانينها وعبرها على ورقات كراساتنا المفتوحة على الطاولات. وأما الحاضر والكتاب والكراسات، فهو الزمن الحالي المعاش الذي يتطلب فتح كتاب القضاء والقدر وما يعطينه من خير وشر في كل درس نسجله على صفحات الكراسات ونحن نجلس على كراسي الحاضر بعد أن استخلصنا دروس الأمس وتعلمنا كيفية الجلوس حتى لا نسقط أولا ،وتسجيل الدروس وكيفية الكتابة الصحيحة وغيرها مع استنجادنا بعبر ودروس الأمس ثانيا. واخيرا، فيما يتعلق بالمستقبل والحصاد، فإنه أيضا فترة زمنية مرتقبة نأمل أن نعيشها لاحقا وفق احلام وانتظارات ورؤى ومخططات تكون على حسب ما تعلمناه و حصدناه سابقا، فتكون أهدافها مبنية على المعرفة والمقدرة والامكانيات وكيفية التعامل مع الزمان والمكان وكل من سيتقاطع معنا للوصول إلى الهدف المنشود، فإن حققنا هذا سلمنا وكانت أهدافنا معقولة وقابلة للتحقيق، وهذا ما يفرقها عن بقية الأهداف والمخططات المبنية على الأحلام والاوهام وغيرها والتي لا يمكنها الا ان تبقى مجرد احلام تقترب من الأماني والمستحيلات اكثر منها من الترجي وإمكانية التحقيق...
فهل فهمتم قولي الآن وغاب الضباب وانقشعت شمس سمائي؟ "
فرايتهم سكوتا وجمودا كالصخر، اصناما كالحجارة،أجسادا هامدة لا حركة فيها لفترة من الزمن كمومياء مصر الفرعونية، قبل أن يسترجعوا وعيهم ،ونواصل الحوار ونحن مد وجزر بين الإجابات واعادة التفسير والتعليل....
-----------------------------------------------------------------------------
مد وجزر
بقلم: ماهر اللطيف

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق