الجمعة، 2 أبريل 2021

 ................

على غالب الترهوني

...................



مدينة النسيان
_______________
نصف المدينة ذهب في غياهب النسيان .كان البحر يمتد ويرتد مثل قلبي .أشعر بشوق كبير كلما أتذكر مسارح نفسي وهي تسرح بين المرسى والضاحيه. تشبثت بالافق دونما ملل .على هذا الشاطئ كانت أولى محطاتي .ألقت بي سيارة لاندروفر بصحبة نفر آخرين كانوا قد أعدوا العدة للسفر دونما عوده .
حملة حقيبتي التي حشوتها بخرق بآلية كنت قد انتقيت أفضلها لتلائم ظرفي الجديد .أخذني الموج وهو يلثم نعلي الممزق من الأمام حتى بدا إصبع قدمي يلامس الأرض .كان المصطافين ينظرون إلي كأنني أحد الشحاتين الذين يرسمون هالات من البؤس على وجوههم الغائرة نحو السحت الذي كان .ثمة باخرة تشق العباب بعناء وتكسر الموج حتى إستحال الماء المالح إلى بياض طغى على زرقت السطح المتماوج .هل سأبقى هنا طوال اليوم .كان علي أن أبحث عن ملجأ ومكان لأسد رمقي لكن لا أحد يمد لك يد العون .الناس تبحث عن نفسها مثلما تبحث عن حاجاتها المهمله. بعد أن إنتصف النهار وسرى سراب بين السرايا وجادة بن عون أخذت الناس تهجم على الكورنيش المبلط بالساج الأحمر والمرمر الأزرق وبدأ الباعة يعرضون بضائعهم في مواجهة القيض الذي يدب الآن كما لو أن محرقة أعدت للمصطافين. كان الصبية يلتفون حول عربات المثلجات وآخرين يستعدون لإجتياز الطريق السريع .كانت العربات لاتترك مجالا لأحد كأنها إنطلقت من جوف ثعبان واحدة تلو الأخرى وكسلسلة لا تنفصم يظل الأطفال متشوقين إلى الوصول إلي الملهى القريب وفي مواجهة البحر كما كان ..
جادة بن عون تعج الآن بالمعتوهين الذين يشاكسون المارة بأعواد الزهر حيث يرشون عليها الماء طوال الوقت وتلتحم المياه الهاربة من الرصيف إلى غرف أعدت خصيصا لها في كل حين .ومحال الباعة مشرعة على الضفتين محمية بأمراش ملونة تعكس ظلال أخرى يتسلى بها الفضوليين على الدوام ..مضى أنفي وراء رائحة خبز طازج وجدتني أقف بعد بضعة أمتار أمام مطعم فاخر تبدو عروضه كلها في الواجهه .كانت ابراج الشاورما والمقليات وبرادات المشروب والزحام على أشده كأنما سكان المدينة لايستطعمون سوى أكل الغرباء من أتراك ومالطيين وهولنديين وأكل عربي لا يخون أهله .إبتعت رغيف بالجبن وعلبة حليب .لم أستطع أن أكمله. طعمه غريب وله رائحة كريهة لكنني أسكت صرخة الجوع بلقمة وجرعة لا غير ..
حين ودعني والدي لم يحدثن عن الضياع الذي قد يبتلعن منذ اللحظة الأولى .شد على يدي وأنا أركب السياره وقال للسائق .عند شركة جرمه أنزله هناك فقط ..ثم ماذا علي الأن أن أبحث عن سيارة تقلني إلى بيت عمي عند ضاحية الهضبه. حدثني عنها والدي قبل أن أقرر السفر إليها .قال لي .في مقتبل العمر إستاجرت دارة صغيره على أطراف الضاحية أطبخ طعامي دون الحاجة إلى إرتياد المطاعم المنتشرة على الضفاف الأخرى .كنت أحيانا لا أكتري سيارة لتقلني للبورط بل أجد متعة في المسير على قدمي كنت أقطع مسافة أربعة أميال دون أن أشعر بالتعب ..
والآن هل وجب علي أن أتتبع دربه البعيد ..حتى وإن أعلنت ذلك في قرارة نفسي أين عساي أن أذهب وأي طريق أسلك لأصل إلى مبتغاي. .وعندما رأيت لوهلة أن نصف المدينة ضاع مني قررت العودة إلى القريه لأنجو بنفسي على أن أعود إليها بعد أن يستقر بحرها العاتي كما هو الان ....
________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق