الأربعاء، 28 أبريل 2021

 .................

محمد بلحرشة

.............



حالة احتضار
بعد نهاية امتحانات الفروض النظرية، عرض الاستاذ على طلبته مجموعة من المواضيع قصد البحث الميداني، فاختار الطالب وليد موضوع "النظافة" ،نظرا للاهمية الكبيرة لهذا الموضوع في حياة الأشخاص و تأثيره على حياتهم اليومية و على البيئة.
بعد خروجه من الفصل
باشر الطالب ،الباحث بحثه الميداني.
قام بأول عملية مسح بواسطة عينيه للبنايات المحيطة به ، ثم سجل في مذكرته اول ملاحظة تتعلق بعدم الانسجام العمراني بين هذه البنايات و عدم التناسق بينها، مما حال دون وجود جمالية معمارية.
بعد ذلك، ترجل إلى الساحة العمومية الرئيسية بوسط المدينة، فأثار انتباهه مجموعة من الازبال المنتشرة في أرجاء هذه الساحة ، و قلة الحاويات المخصصة لرميها، وعدم وجود اماكن خاصة بالعاب الأطفال كما سجل غياب المراحيض العمومية .
سأل وليد أحد المواطنين قائلا:" كيف تجدون هذه الساحة من جانب النظافة".
اجاب:" و الله يا اخي ان المواطن يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الموضوع، لكن على ما يبدو فإن هناك قلة في الحاويات، و عدم وجود حراس ، كما أن عمال النظافة قليلا ما يزورون هذه الساحة."
وغير بعيد على هذه الساحة، توجه الباحث الشاب صوب شاطئ البحر ، فانتابه القلق مما لاحظه:
قاذورات منتشرة في كل مكان، أكوام من الازبال، بقايا زجاج و حجارة و بلاستيك، غياب علامات التشوير، و رمال متسخة.
اقترب من أحد الشباب الذين يمارسون رياضة الجري بهذا الشاطئ فألقى عليه السؤال التالي:
"هل تجدون متعة في ممارسة الرياضة في هذا الشاطئ ؟
فأجاب :" الصراحة اننا نجد متعة كبيرة في ممارسة الجري و لعب كرة القدم بهذا الشاطئ ، لكن للأسف الشديد يتعرض مجموعة من الشباب كل مرة لجروح بليغة من جراء بقايا الأحجار و الزجاج و البلاستيك ، المتناثرة بالرمال."
و بعد أن قام بتدوين هذه الشهادة بمذكرته ، توجه وليد إلى المدينة العتيقة التي لا تبعد كثيرا عن المكان الذي يتواجد فيه.
وهو في طريقه لاحظ
الاوساخ المنتشرة على طول الرصيف ، كما وقف على بعض السائقين الذين يرمون نفاياتهم المختلفة من نوافذ سياراتهم في الشارع العمومي دون مبالات بأهمية النظافة.
عند وصوله للمدينة العتيقة ، أثارت انتباهه الأسوار التاريخية المكشوفة للعموم دون أية حماية تذكر، و في هذه الأثناء تفاجئ بأحد المواطنين يقضي حاجته بجانب هذه الآثار ، و في مكان آخر منها كان أحد المتشردين يلطخها بالمقذورات.
بعد ذلك دخل وليد لوسط المدينة العتيقة، فقام بجولة عبر أزقتها الضيقة ، و مر بأحد المحلات التجارية فسأل صاحبه:
" كيف هي الحركة في هذه المدينة، سيدي."
اجابه :" الأمور لا بأس بها لكننا نتدمر كثيرا من وجود عدد كبير من المتسولين و من المتشردين الذين يزعجون السواح و المارة".
حينها كتب وليد بمذكرته مايلي:" لا بد من تظافر الجهود بين كل المتدخلين و إعادة النظر في تدبير هذه المدينة في إطار الالتقائية بين كل البرامج ذات الصلة."
خرج الطالب الباحث بعد ذلك فتوجه نحو محطة الحافلات و سيارات الاجرة الصغيرة و الكبيرة.
قام بجولة عبر هذه المحطات كلها ثم قام بتسجيل الملاحظات التالية:
سوء التنظيم، العشوائية، الفوضى، كثرة المتسولين، انتشار كبير للمتشردين، كثرة السماسرة، انتشار الازبال و الاوساخ في جميع الأمكنة، غياب علامات التشوير ، وجود وجوه مشبوهة.
وقد ختم هذه الملاحظات بالعبارة التالية:" انقذوا ما يمكن إنقاذه."
و توجه بعد ذلك صوب أحد سائقي الحافلات فسأله:هل تلاحظون سوء التنظيم و انعدام النظافة بهذه المحطة، سيدي؟
اجابه السائق و على محياه ابتسامة معبرة:
"اليد الواحدة لا تصفق يا اخي ، الجميع يتحمل المسؤولية و الكل مطالب بالجلوس على طاولة الحوار لإيجاد حلول ملائمة لكل هذه المظاهر المزرية ."
و توجه لأحد سائقي سيارات الاجرة الصغيرة :" كيف تشتغلون في وسط هذه الأجواء غير الصحية."
فأجاب بنبرة متحسرة:
"مطالبنا الرئيسية هي النظافة و تنقية المكان من المتشردين و المتسولين و توفير علامات التشوير . "
كان السوق المركزي هو المحطة المقبلة في جولة الطالب ،الباحث وليد، فتجول بين المحلات التجارية و الحرفيين و عارضي المأكولات المتنوعة و غيرها، و أهم ملاحظة مشتركة بالنسبة إليه هي غياب المراحيض العمومية و قلة حاويات النفايات و انتشار المواقف العشوائية للسيارات و الدراجات المختلفة.
قام بطرح السؤال على أحد التجار حول وضعية هذا السوق فاجاب:"اتمنى ان يلقى جانب النظافة مزيدا من الاهتمام، و توفير حاويات الازبال بالإضافة لحل إشكالية نذرة المراحيض العمومية."
و بعد هذه الجولة الميدانية الاولى، صعد وليد إلى الحافلة في اتجاه منزله.
كان الركاب يفوقون بكثير عدد المقاعد ، و قد اجتمع مجموعة من الشباب بأحد زوايا الحافلة و انهمكوا في التدخين و الكلام المرتفع المزعج ، و في الجهة الأمامية وقف أحد المتسولين يدعي انه بحاجة لإجراء عملية جراحية ، و يحتاج مساعدة مالية. و في وسط الحافلة وقف أحد الأشخاص يحمل كمانا ثم أطلق العنان للغناء بصوت مرتفع فاحش. و في خضم هذا الزحام الشديد برز أحد الأشخاص يدعي انه زار الكعبة المكرمة و قد جلب من هناك حبات مباركة صالحة لشفاء جميع الأمراض.
و في هذه الاجواء المثيرة، كانت الحافلة تسير بصعوبة ملحوظة ، وكان جميع الركاب يلاحظون الدخان الاسود المتصاعد من جراء تدهور الحالة الميكانيكية للحافلة .
و قد فتح وليد مذكرته و قام بتدوين التالي": لا يمكن تنظيف الأمكنة باختلاف مواقعها مادامت العقول التي ترتادها متسخة."
و على طول مسار الحافلة كانت الشوارع تتشابه و المنظر العام لا يختلف الا قليلا ، و الانسجام العمراني غير ظاهر للعيان بين كل حي و حي و منطقة و أخرى من هذه المدينة.كما كان هناك شبه غياب للمساحات الخضراء و المنتزهات العمومية.
نزل وليد بالمحطة القريبة من منزله، و في طريقه وقف يراقب حاوية الازبال الموجودة بالحي،كانت متهالكة و لا تستوعب كل الازبال الشيئ الذي جعل الساحة المحيطة بها عبارة عن مطرح للنفايات المنزلية العشوائية التي تتسبب في كثرة الحشرات المضرة و الروائح الكريهة.
اقترب من أحد السكان الذي يتأهب لرمي كيس من الازبال ،فساله:" ماهو السبب في هذه الحالة البيئية المأساوية؟
فأجاب: " لا أخفي عليك سرا يا اخي أن المواطن يتحمل مسؤولية مهمة جدا في هذا الوضع لضعف الوعي و غياب الحراسة أو كاميرات المراقبة ، لكن بالمقابل لا بد من توفير حاويات في المستوى لاستيعاب هذا الكم الهائل من النفايات على غرار ماهو جاري به بالدول المتقدمة."
و في هذه الاثناء، حضر عمال النظافة، فوجدها الطالب الباحث فرصة ليسأل أحدهم ، مايلي:" بماذا تفسرون هذا الوضع البيئي المتدهور؟
اجاب بكل صراحة:" هذه يا اخي مسؤولية الجميع، و الكل مطالب بالجلوس لإيجاد الحلول المناسبة. فهذا الكم من الازبال أصبح يؤثر حتى على الطاقة الاستيعابية لمطرح النفايات الذي أصبح في وضعية تدعو للقلق."
و في آخر صفحة من اليوم الأول لهذا البحث الميداني سجل الطالب الباحث بمذكرته العبارة التالية :
" ان وضعية البيئة في مجموعة من المناطق توجد في حالة احتضار و تتطلب تظافر الجهود بشكل استعجالي من أجل انعاشها..."
محمد بلحرشة( المغرب)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق