الثلاثاء، 25 فبراير 2020

..................
مرشد سعيد الأحمد
.............

لا يتوفر وصف للصورة.


قصة قصيرة
بقلم : مرشد سعيد الأحمد
الجاهلية المعاصرة
لم تمنع الإعاقة نتيجة "خلع ولادة " للطالب محمود، ولا فقر والده الذي يعمل فلاح في قرية تل المگاصيص بعد أن هاجر من إحدى المدن الداخلية نتيجة الحاجة
للحصول على الدرجة الأولى في امتحان البكالوريا العلمي حيث كان يقطع مسافة طويلة سيراً على الأقدام لمدة لا تقل عن النصف ساعة ليستقل سيارة عمال معمل الغزل والتي تمر على الطريق العام في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً ويعود بنفس السيارة بحدود الساعة الخامسة إلى البيت بعد أن يقوم بأداء واجباته المدرسية في غرفة الحارس عند باب المعمل وقد كرمت الجهات المعنية محمود بمنحة دراسية على نفقتها لدراسة الطب البشري في إحدى جامعات المنطقة الساحلية.
مما دفع والده بالتفكير بالسفر مع ابنه محمود إلى تلك المنطقة والبحث عن عمل في إحدى الحواكير لزراعة الخضار البلاستيكية في تلك المنطقة
وبعد أن اقتنع بالفكرة سافر مع ابنه محمود بالقطار ليلاً إلى مدينة تل المرابيع لتسجيل ابنه بالجامعة والبحث عن العمل المنشود.
ولحسن حظ محمود ووالده أنهما التقيا في الصباح عند وصولهما مع معلم سابق في قريتهم قبل عشرين عاماً اسمه حيدر يعمل سائق تكسي أجرة، فرحبّ بهم كثيراً ودعاهم إلى بيت أهله الگائن في إحدى القرى القريبة من المدينة، وبعد تناول وجبة الإفطار المكونة من الشنكليش والزيتون وسلطة الزعتر البري وزيت الزيتون البلدي مع الأهل ووالده أبو حيدر ووالدته حيث دارت أحاديث الذكريات في منطقة تل المگاصيص والمعاناة التي صادفته أثناء ذهابه الى المدرسة التي تم تعيينه فيها وكيف تحولت هذه المعاناة إلى راحة وسعادة بفضل طيبة أهل القرية وبساطتهم وكرمهم واحترامهم للغريب وكيف كان مثلهم الأعلى في كل تصرف أو عمل يقومون به وأخذ رأيه في حل الكثير من مشاكل القرية. وتابع الأستاذ حيدر حديثه قائلا:
السلبية الوحيدة في حياة شعب تلك المنطقة هي النظرة الدونية للمرأة واعتبارها مثل أي سلعة يتحكم ابن العم بمستقبلها ومشاعرها وأسلوب حياتها وقد تصل هذه النظرة إلى أيام الجاهلية في بعض الحالات وقد تجلى ذلك من خلال تعزية حضرتها عندما توفيت أم صديقنا علاوي فسمعتُ عبارات غريبة يرددها البعض لزوج المرحومة مثل" الحمدلله بالفرس مو بالفارس إن شاء الله ألف مبروك جددت فراشك "
ورداً على سؤال زوجة الأستاذ حيدر عن معنى "جددت فراشك" قال لها أن المقصود هو الزواج بزوجة صغيرة
فرد عليه والده ابو حيدر قائلا :
يا بني أعتقد أن هذه النظرة للمرأة متشابهة في أغلب المجتمعات ولكن بدرجات متفاوتة وسوف أذكر لكم ولأول مرة حادثة جرت عندما نُقل جارنا جعفر إلى المستشفى بعد إصابته بجلطة دماغية حيث طلبني عندما استيقظ من غيبوبته وطلب من الجميع الخروج، وبعد إغلاق الباب
قال لي: يا خيي ابو حيدر لي طلب عندك و أرجو أن تقبله.
فقلت له : ماهو يا خيي جعفر والله جميع طلباتك أوامر.
فقال لي : بعد موتي أطلب منك أن تتزوج مرتي صبيحة وأرجو ألا تسألني عن السبب.
وبعد أن تعافى من المرض وعاد إلى البيت ذهبت اليه وجلسنا في غرفة واحدة وأغلقت الباب وقلت له:
لن أذهب من هنا حتى تخبرني عن سبب طلبك المفاجىء.
فرد علي بضحكة باردة قائلاً: والله أنت بزمانك بعتني بقرة وغشيتني بها وأنا حبيت آخذ منك حقي بعد أن أموت لكن حظك طلع قوي.
وعندها خرج أبو محمود عن صمته قائلاً: الحقيقة أن كل ماذكره الأستاذ حيدر حول مكانة المرأة في تل المگاصيص صحيح فهي الوحيدة التي يتمنى الزوج موتها من بين أفراد أسرته ليجدد فراشه كما يقولون
وخير مثال على ذلك ماحدث مع جارنا خلف وزوجته التي أفنت عمرها في العمل إلى جانبه في الأرض
وعندما أخبروه بوفاتها قام بإرسال أشخاص لحفر القبر وأحضر لها الكفن وخلال أقل من ساعتين حملوها في سيارة البيكاب إلى المقبرة وسط صياح ونواح أولادها وبناتها وهم يرددون " راح العمود او انكسر العمود "
والعمود كلمة تعبر عن أهمية المتوفي وكونه الركيزة التي يبنى على أساسها البيت، أي الأسرة.
وفي الطريق شاء القدر أن تصطدم السيارة بأحد أعمدة الكهرباء المنصوبة على حافة الطريق، فاستيقظت المرحومة من غيبوبتها وبدأت تصرخ بصوت عالي بالعامية : " أنا وين ؟؟؟ وين آخذيني "
فهرب الجميع ركضاً، و زحفاً وخرجت سراب من داخل الكفن وعادت إلى الحياة من جديد.
وبعد عشر سنوات توفيت فوضعوها في البيكاب وذهبوا بها إلى المقبرة وسط أصوات النواح والعويل المعروفة
وحتى لا تتكرر المأساة السابقة وتعود للحياة كان زوجها يصرخ باللاشعور كلما اقتربت السيارة من عمود الكهرباء
فيقول " العمود العمود ....العمود العمود "
فيرد عليه البسطاء والسذج من حوله قائلين :
" صلي على النبي، اذكر الله...سامحها وادعو لها بالرحمة والمغفرة "
انتهت
سوريا - الحسكة 25/2/2020

ملاحظة: أعتذر أصدقائي عن التأخر في نشر قصصي بسبب ضغط العمل
وسوف أكتب عدة قصص في المجال الاجتماعي وأعتذر أيضاً من كل صديق يتحسس من مواضيعها
وأعتقد أن الخروج عن المألوف أحيانا لا يعتبر خطأ
إذا كان فيه مصلحة ومنفعة للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق