الاثنين، 21 مايو 2018

بقلم


****وليد.ع.العايش
٥/رمضان/ ١٤٣٩*****

- يوميات رمضان - ٥ -
------------
هل كان ذاك الفجر يشبه سواه !!! لم يكن كما بقية الأيام، المطر يطرق أبواب الأرض بقسوة على غير عادته، الريح تهز خصرها كغانية من زمن الفرنج، بينما الأغصان تلتف حول بعضها هلعا  ...
تناول ثائر طعام السحر على عجل، لقد انتهت لتوها إجازته القصيرة، عليه أن يلتحق بالرفاق هناك على تلة بعيدة، عيناه تراقبان طفله الصغير الذي لم يلج عامه الثاني بعد، ناولته زوجته الحسناء كوبا من الشاي، احتسى بعضا منه دون أن يكمل الباقي .
طبع قبلة حارة على جبين طفله، وأخرى على ثغر زوجته، ارتمى تحت قدمي أمه .
- رضاك يا أماه  ... ربما أعود وربما لا ... كان صوته عميقا في تلك اللحظة  ...
- ستعود يا بني  ... ستعود  ...
قبل يديها ووجنتيها، التحف بندقيته المعمرة بالرصاص، نظر خلفه للمرة الأخيرة ثم غاب في درب موحل .
أيام خمسة مرت، رن جرس الهاتف في آخر الليل، تلعثمت كلمات الزوجة الحسناء قبل أن ترمي بالهاتف النقال على أريكة مهترئة الحواف، لحظات حرجة تمر عليها، قفزت إلى جيب قميصه، لقد أخبرها بأنه ترك لها شيئا ما هناك، لكنها نسيت كلماته .
قصاصة ورق صغيرة كتب عليها بضعة عبارات سريعة : ( لا تبكي يا أماه ، زوريني كلما استطعت، وأنت يا زوجتي الجميلة إياك أن تسلمي نفسك لرجل آخر ، أما أنت ياولدي، أوصيك بوطنك وأمك ودمي، اروي لرفاقك حكايتي وأخبرهم بأني أعشق الموت بأربعة ألوان ) ... ضمت الورقة إلى صدرها بينما دموعها كانت تعانق وجه السماء .
الجمع يتقبل التهاني حينا، والتعازي حينا آخر ، لقد انتهى كل شيء .
اثنتان وعشرون ليلة مرت فوق الخمس السابقة، كانت الظلمة تدك المكان برصاصها، طرق الباب فترنح، فتحت الزوجة الحسناء، نظرت إلى الرجل الذي امتطاه الغبار من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، عفوا قدمه فقط ، فقد كان بساق واحدة، سألها متلعثما:
- أين الورقة  ...
سقطت مجددا على الأرض التي تلقفتها بحنان هذه المرة ...
------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق